TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الرئيس ليس ديكتاتوراً

الرئيس ليس ديكتاتوراً

نشر في: 28 مارس, 2023: 11:32 م

د.حيدر الجوراني

بينما كُنا نَتحاور عن مجريات الأحداث في ديالى، قَفز على الحديث وقال:

أريدك أن تكتب تحليلاً نفسياً عن ديكتاتورية (ال......)؟ وكان يقصد أحد رؤساء السلطات.

قلت له: وما الذي جعل إسمهُ يَقدح في بالك؟ تهمهم وكرر السؤال نفسه.

قلت له هل تتذكر سلسلة المحاضرات حول طبيعة العلاقات النرجسية المَسمومة؟

هي ذات النوع التي يمكننا أن نُسقِطها على عَلاقة السياسيين بالجمهور، فالسياسي كمسؤول مثل النرجسي. شخصية يملاؤها الفراغ وخداع الذات، و تحاول أن تجد في الآخرين مصدراً لإنعكاسات تملأ ذلك الكَيان الأجوف.

قال لم أفهم!!

قلت له.. في رواية الخيميائي لباولو كويلو هنالك صورة للقمر المَوصوف بالصلادة مَحمولاً على أكتاف تَموجات البحيرة، ولك أن تتخيل، لو أن المَشهد لم يكن بُحيرة هل سيبقى القمر في مكانه؟ أم في السماء؟. إذن فالقَمر ليس ديكتاتوراً بل نَرجسياً، القَمر كيان مُعتم يَستمد مَعناه من الإنعكاسات لا أكثر.

وما الأمواج و أولئك الذين يَتغنون بالقمر ما هُم سِوى لاعبي دور كما تلعب القرود الطائرة دَورها ضِمن تفسيرات علم النفس للشخصية النرجسية. في البداية تَبسط الأخيرة هَيمنتها على الضَحية من خلال الإستدراج في علاقة مسمومة تُوسَم بداياتها بأشهر العسل و ما أن تَبرحَ شخصية الشريك في العلاقة مع النرجسي، حتى يُكشر الأخير أنيابهُ عن الجانب المُظلم في شخصيته ليُشبع ذلك الفراغ النفسي بإتخاذ ذلك الشريك ضَحية له.

أما إذا تَمرد الشريك "الضحية" على تلك العلاقة، حينها يلجأ النَرجسي إلى تقنيات سلوكية عدة لإِحكام قَبضتهِ على تلك الضحية من الإفلات. و من تلك التقنيات هي القُرود الطائرة التي تشبه الزبائنية المحيطة بالمسؤول السياسي والتي وظيفتها التعبئة و التخندق حول النرجسي للذَبِ والدِفاع عنهُ و إِلصاقِ وصَمات العار والخُذلان على الضَحية زوراً وبهتاناً لتلويث سمعته.

أو تقوم تلكَ القردة بالتهليل والَتطبيل لتُسبحَ بِحمد ذلك النَرجسي نِكاية بالضَحية. فالرئيس ليس ديكتاتورياً. الرئيس مخلوق لجأ إلى حقل السياسة بعد فشلِ مُدقع في مجالات الحياة، و لأنَ السياسة في العراق صَنعة من لا صَنعة له، لذا فالجميع يَحلم ان يكون ذلكَ المُتَغزَل بهِ علناً، تارة مُراوغ و شرساً تارة آخرى.

القردة الطائرة "Fly Monkeys " يمارسون دورهم بعد أن تفشل الشخصية النَرجسية بإيهام وتزييف فهم ضحيتها، وهذا ما يمارسهُ الساسة الطائفيون تماماً، فهم يتشاركون التَخادم السياسي في السِر، بَينما في العَلن يُلقونَ عَلينا خِطاباتهم السياسية وفقاً لسياقات (نَحنُ - هُم). نَحنُ الذينَ حاولنا أن نَسترجع حُقوقكم ولكن هُم الذينَ لم يمنحوا الفرصةَ لنا، و حين يكتشف الجمهور تلك الألاعيب ويبدأ بالتعبير عن السَخط و النقد السياسي، تَنبري جيوش الساسة و الزبائنية في الدفاع و الهجوم اللاذع على المُنتقدين لأسيادهم، وهذا ما يسمى بعلم النفس السياسي "Political Gaslighting".

في سلسلة من الدراسات التي أجريت في الدنمارك و الولايات المتحدة توصل الباحثون إلى أن الأشخاص الذين لديهم مستوى عالٍ من النرجسية و يَبحثونَ عن الثناء والتقديرهم الذينَ أكثر الناس إنخراطاً في العمل السياسي مقارنة بغيرهم. وفي بدايات عملهِ قام الباحث النفسي جيرولد بوست "Jerold Post " بعمل مَلَفي تَقييم نفسي للرئيس أنور السادات و منخايم بيغن رئيس إسرائيل، الغَرض من هذين المَلفين هو لمساعدة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر لفهم أعمق لكِلا الشخصيتين و لغَرض تَسهيل مُهمته في متابعة مفاوضات كامب ديفيد المعقدة آنذاك.

يقول جيرولد بوست الذي أسس فيما بعد مَركز تحليل الشخصية و السُلوك السياسي في وكالة المُخابرات المَركزية الأمريكية CIA والذي جمعَ نتائج أبحاثهِ في كتاب بعنوان النرجسية و السياسات:أحلام المَجد "Narcissism and politics: Dreams of glory" وتوصل إلى أنَ من الصَعب مُخالفة الرأي مع القادة النَرجسيين لأن جميع الطبقة السياسية حينها سَتكون في خطر. وهو ما يفسره بوست في مسارين، الأول: يُعزى إلى أولئك الأفراد الذين لديهم جُرحاً عميقاً في تقدير الذات ويَسعَون إلى الحُلم بالمَجد، و الثاني هم أولئك الذين يُظهِرون أنفسهم على أنهم طبقة خاصة من البشر.

غالبية الناس لا تَفهم أنَ السياسي أو الزعيم لا يُريد أن يكون محبوباً في نظرهم، لكنهُ يُريدهم أن يعيشوا وهم الهَيام بهِ وبإنجازاتهِ الدونكيشوتية. لذلكَ، مالم يَكفَ الناسُ عن المَدحِ و الثَناء للقادة السياسيين سَتبقى الديموقراطية في خطر، فالرئيس ليس ديكتاتوراً أكثر من كَونهِ يُعاني من جُرحاً نَرجسياً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram