TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الهوية الوطنية الجامعة المفهوم الذي أحبط الملك وأورثنا ذلك الوهم

الهوية الوطنية الجامعة المفهوم الذي أحبط الملك وأورثنا ذلك الوهم

نشر في: 3 مايو, 2023: 09:24 م

د. حيدر الجوراني

عادت جدلية الهوية الوطنية والهويات الفرعية تشغل الباحثين والنخب المفكرة في العراق. ولازالت إشكالية للبحث والنقاش.

وشأني شأن الجميع، أحاول أن أشخص ثمة إعتلالاً في البحث عن مفهوم الهوية الوطنية "الجامعة ".

لن أخوض بصفة "الجامعة" التي ألقت حمولتها الزائدة على مفهوم الهوية الوطنية والذي هو بالأصل مفهومًا وُظفَ توظيفاً عائماً وضبابياً لأغراض الشيطنة السياسية والتخوين.

لست وَقحاً بقدر ما أُحاول جاهداً أن أكون صريحاً إذا ما قلت إننا نَسقُط في فَخ المِخيال الإجتماعي المَوروث حينما نأتي للبحث في الظاهرة الإجتماعية والسياسية في العراق. هذا لا يعني نُكران الماضي حيث تكمن جذور إشكالية البحث، مُحاذرين إجتراح أخطاء الأسلاف وإعادة تدوير إنتاجها ضمن السياقات الإجتماعية والسياسية بدلا من إتخاذها مؤشراً تشخيصياً لحاضر نعيشه في ضوء مستقبل البحث عن مفهوم الهوية ومن ثم نتيه ذهنياً وفكرياً من خلال الذهاب والإياب بين الماضي والحاضر فقط.

ولكي أؤسس إلى قاعدة تشخيصية للخطأ الكامن في البحث عن الهوية، لابد من الإلتفات إلى تغيرين سياسيين شهدهما المجتمع العراقي بفعل القوة والتأثير الخارجيين. ضمن مئة عام من تأريخ العراق الحديث. وما بينهما تغيرات إنقلابية دموية أوهمت العراقيين من خلال هوياتها السياسية المتعاقبة " هوية وطنية " تُفرض بفعل الولاء السياسي "القهري" لتكن معياراً فاصلاً للخيانة أو الحس الوطني.

كان التغيير الأول عام ١٩٢١ حينما أوتيَ بالملك فيصل الأول بعد عقود من الإحتلال العثماني. والثاني عام ٢٠٠٣ بعد حقب الإنقلابات المتراكمة في الذاكرة عبر الأجيال.

ما أود إلفات النظر إليه هو أن كلا التغييرين لم يعقبهما ما يسمى " التحول الإنتقالي" والذي هو مرحلة مهمة تعقب أي تغيير سياسي جذري أو شبه جذري وبشكل آمن وناجح.

من هنا يكمن جذر إشكالية " الهوية ". وبتعبير آخر، كيف يُمكن تشكل الهوية في مجتمع تتخبطه التغيرات السياسية في أنظمة الحكم بشكل مفاجئ و عنيف دون المرور بمراحل إنتقالية ملزمة للتغيير؟

حتى في التغيير " الديمقراطي " بعد ٢٠٠٣ ما ينقص النظام السياسي الحالي هو التحولات الإنتقالية للديمقراطية والعدالة. وهنا تبرز ربما صحوة الضمير في كتابات كنعان مكية الأخيرة ونقدهِ لسفر التكوين الأول لمخطوطة مؤتمر أربيل في إشارته لدور عادل عبد المهدي مثلاً.

في الوقت نفسه، فإن نُكُوصنا إلى مقولة الملك فيصل الأول في رسالته التي عبر فيها أن قلبه مليء بالأسى و وصفه المُحبَط بإن لا يوجد شعب عراقي إنما جماعات خيالية خالية من أي فكرة وطنية.

عذراً جلالة الملك المُفدى، لست مُتعصباً لعِراقيتي إن أُنبيكَ بإن مضمون رسالتك إن دلَ على شيء فإنما يَدُل على عدم نضوج رؤياك الملكية والسياسية للشعب المحكوم من بعد ردحاً طويلاً من الولاء لهيمنة السلطان من قبلك.

من الخرافة بمكان أن نَتَبِعَ إحباط الملك ونسأل عن الهوية الوطنية. فالولاء للملك أو السلطان حلَ محل الهوية عند العراقيين حتى إنقلاب الزعيم دموياً.

يقول فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) أستاذ العلوم السياسية " تبدأ الهوية الوطنية دائماُ كإعتقاد يشيع بموجب شرعية يضفيها النظام السياسي من خلال ممارسته السلطة".

وبمجرد أن ننظر بِعدسة فوكوياما إلى ما بعد ١٩٥٨ نجد أن إضفاء صفة الهوية الوطنية حلَ بديلاً عن الهويات السياسية (Political identities) لتلك الأنظمة ليتم تصنيف المجتمع العراقي بين " خائن أو عميل" وبين "وطني مناضل ".

ولَعلي أستشهد بفوكوياما مرة أخرى بخصوص ما بعد ٢٠٠٣، يقول البروفيسور فرانسيس " الهوية مفهومٌ طَيّع ومن الممكن أن يكون صغيراً أو كبيراً".

وهذا التوصيف وجدته متجذراً كتمظهرات إنعكست على مؤتمري لندن وأربيل وهو ما أعاد إنصهار " الهويات السياسية للطبقة السياسية الحالية" لتُسوِق تلك الهويات بهوية يَصطلح عليها فوكوياما بالمواطنة الإثنية (Ethno nationalism) والتي – بحسب وجهة نظره – تتشكل حينما يحصل تلوث على الهوية الوطنية من خلال كونها مفهوماً حصرياً بالطائفة أو القومية.

لهذا السبب، عاشَ العراقيون حالة من التناشز المعرفي مع الهوية كما يسميه عالم النفس الإجتماعي ليون فستنكر.

إن التناشز المعرفي (Cognative dissonance) في الشخصية العراقية ناجم عن إلتقاء غير نَسقي في الإعتقاد بالهوية الطائفية مع الشعور بالمواطنة. وهنا تلجأ الشخصية العراقية إلى خفض حدة التوتر نتيجة هذا التناشز في حال عدم إنسجام بين المفهومين الأول والثاني.

وهذا التحليل التشخيصي ينسجم إلى حد ما مع وجهة نظر أخرى لفوكوياما بقوله " عندما تضطرب الهوية ضمن السياق المؤسساتي الديمقراطي خاصة في ظل غياب تجربة مشتركة للهوية، فهذا يسبب جملة من الإشكاليات. و من تمظهرات هذه الإشكاليات ما يتعلق بحرية التعبير.

وعلى حد تعبير فوكوياما " أن الطريقة التي وُلِدتُ بها ستحدد الطريقة التي أُفكر بها".

من هنا، إتسعت الفجوة الجيلية عقب إحتجاجات تشرين بين الهويات السياسية للطبقة الحاكمة حالياً بسبب حالة التناشز المعرفي للهويات السياسية التي أُريدَ لها أن تكون بديلاً عن مفهوم المواطنة – وهو الترجمة العملية لشعار نُريد وطن- هذا من جانب. ومن جانب آخر قمع حرية التعبير الدالة الموضوعية عن تنامي ذلك الشعور الهوياتي الجامع والمتناشز مع عدة هويات سياسية.

ببساطة.. مفهوم المواطنة (Patriotism) نظرياً يثبته الدستور العراقي مع قانون الجنسية العراقية لكنه يحتاج إلى تنفيذ مستحقات ذلك الإمتياز لحامل تلك الهوية " الجنسية" كحد أدنى من خدمات العيش والصحة والتعليم. عدا ذلك فإن النفور من الوطن سيمثل شعوراً سولاستالجياً (Solastalgic) بداخل الفرد تجاه الوطن كحيز زمكاني طارد وليس جاذب.

وفي حال ترسيخ مفهوم وشعور المواطنة حينئذ سيكون الفصل والعتبة الحسية بين الهوية الوطنية والهويات السياسية أكثر وضوحا ودون أي إشتباك سواءً في المفاهيم أو الشعور على المستويين الفردي والإجتماعي. إذ ليس بالضرورة أن يتجسد الفرد هوية سياسية كقيمة مضافة لمواطنته كما أن الأولى يجب أن لا تتعدى حيز توجهاته السياسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram