الافتتاحية:من يردع المالكي ويكبح جماحه ويضبط إيقاعه المختل؟..الرئيس حامي الدستور.. فماذا ينتظر؟

فخري كريم 2012/12/13 02:29:05 م

الافتتاحية:من يردع المالكي ويكبح جماحه ويضبط إيقاعه المختل؟..الرئيس حامي الدستور.. فماذا ينتظر؟

فخري كريم
منذ توليه مهامه الرئاسية ظل الرئيس جلال طالباني يردد شعار "شدّة ورد" الذي أصبح مألوفاً لدى المواطنين، أملاً منه بان تتحقق "شدة الورد" بترسيخ ما ينطوي عليه الشعار

 من مفهوم وحدة النسيج المجتمعي العراقي بكل مكوناته المتآخية، ويذود عنها اسباب الفرقة والخصومة. ورغم تبدل الظروف والاوضاع السياسية والاهواء والاصطفافات والمواقع والامزجة والمصالح، بقي الرئيس متشبثاً بهذا الشعار النبيل، متناسياً عن قصد ان النبل لا يستقيم دائماً مع السياسة واهوائها التي تعصف بها المتغيرات، وهي متغيرات ترتبط بالمصالح وتوازناتها وقيمها المختلة، ولا تستوي مع نوعٍ من الساسة الذين يعيشون حالة من التحول السريع، تتغير فيها اوضاعهم الحياتية ومواقعهم في السلم الطبقي والاجتماعي، وما يترتب على هذه التغيرات الفجائية من نزوع ونزعات ومصالح وتراتبيات.
كما لم يتوقع ما يلعبه من دور سلبي "كرسي السلطة" على بعض العناصر الهشة التي لم يكن ممكناً في تصورها الانتقال من الصفوف الظليلة الى اضواء السلطة واغراءاتها المهلكة. وليس ثمة شكٌ في ان الرئيس انطلق في نهجه السياسي من قناعته بـ"الحساسية الاخلاقية" للعراقيين الذين جبلوا على الطيبة وحسن الطوية والتجرد من صفات الخديعة والغدر والتحايل التي يتسم بها بعض ساسة اليوم.
الرئيس الذي اعتبر "شدَّة الورد" ضمانة لتضافر الجهود لبناء العراق المخرب، وإرساء اسس دولة مدنية ديمقراطية، دولة مواطنة، تشُد لحمة الوطن ونسيج الشعب، تناسى للأسف، او اوحى متعمداً بالتناسي، ان "كرسي السلطة"، كما تدلل التجارب التاريخية، قد يدفع البعض، خاصة اذا جاءت بهم الصدفة الى مراكز المسؤولية، الى حالة من الهوس وجنون العظمة، وهي حالة تلبس مفتوحة على الجحيم.
لقد لعبت السياسة المراوغة والنهج الملتبس الذي مارسه السيد نوري المالكي، حتى وقتٍ قريب، دوراً مخاتلاً في تخدير يقظة اغلب القوى وحالت دون التصدي بحزم لمظاهر التفرد والغطرسة وتسطيح الحكومة ومؤسسات الدولة لتصبح في نهاية المطاف فريسة سهلة لاطماعه السلطوية ونزوعه نحو الدكتاتورية والاستبداد. وفي هذا النهج تتشابه البدايات والمصائر بالنسبة لكل الطامعين بالسلطة.
ان خرق الدستور الفاضح ليس وليد الايام الاخيرة، ولا هو مظهر اقترن بالولاية الثانية غير المحمودة للسيد المالكي الذي جاهد الرئيس طالباني بكل ما له من ثقل سياسي ونفوذ لتحقيقها، بل ميز (الخرق) بوضوح تدشين ولايته الاولى. وقد تنبه مجلس الرئاسة لتلك المظاهر التمهيدية، مما دفع الرئيس الى توجيه رسالة ملفتة الى المالكي حول تلك المظاهر، وبضمنها تجاوزه للدستور بقدر تعلق الأمر بعلاقة الرئاسة ومسؤوليتها في السلطة التنفيذية.
ورغم استمرار التجاوز على مبادئ الدستور والخرق الفاضح للصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء، فان الرئيس واصل اعتماد وسيلة النصح والتلويح في كل مرة بشدة الورد، متجنباً اللجوء الى الاجراءات التي يخولها اياه الدستور لحمايته والحيلولة دون خرقه. ان اول خرق فاضح تمثل في الالتفاف على المادة التي تضع الرئيس في قوام السلطة التنفيذية وتجعل منه ركناً اساساً فيها، وكذلك إناطة كامل الصلاحيات بمجلس الوزراء، وليس رئيس مجلس الوزراء.
وقد تجاهل الرئيس، ربما من منطلق البحث عن اصلاحٍ هادئ يجنب العملية السياسية مطبات الفراغ او التخاصم الشديد أو أملاً في استنبات شدة ورد ذبلت بحكم التقادم، تجاهل مظاهر خطيرة في سلوك المالكي غير الدستوري، وهو يقضم مؤسسات الدولة ويربط اركانها به شخصياً وبمكتبه خلافاً للدستور، ويواصل الاعتداء على الحريات العامة والخاصة بصولات قواته الخاصة الامنية والعسكرية التي باتت تحت قيادة عناصر مشمولة بقانون المساءلة والعدالة، بل ان كثرة من عناصر امن صدام ومخابراته ممن مارسوا التعذيب والقتل للمناضلين اصبحوا اعضاء في اجهزته الخاصة.
ولم يتوقف الامر عند التعذيب والاغتصاب والتزوير والانتهاكات لحقوق الانسان في سجون يشرف عليها زبانيته، بل انه اقحم الجيش في النزاعات السياسية ودفع به الى مختلف المواقع دون ان يأخذ بذلك اذناً من البرلمان وموافقة من الرئيس. والاستهتار بأحكام الدستور لم يتوقف عند اي حدود، سواء بالتعيينات الخاصة او قادة الفرق او الوكلاء او اي موقع يحتاج الى موافقة البرلمان. ولا يحتاج الرئيس الى تعداد كل الخروقات والتجاوزات غير الدستورية لرئيس مجلس الوزراء، فليس من المعقول ان لا يعرف تفاصيلها، وهو الحقوقي اللامع والحامي الاول للدستور،وهي تطال كل مرافق الدولة والحريات، وتشمل ظاهرة الفساد الخطيرة التي امست جزءا من المنظومة المحيطة بالمالكي وحاشيته ومريديه، وكذلك هدر المال العام الذي يتبدد دون ان يتحقق اي منجزٍ يقي المواطنين شرور الفاقة والتخلف وانعدام ابسط الخدمات، ناهيك عن تدهور الامن والاستقرار.
لكن الملفت ان التجاوز على الدستور بلغ حد تهديد العملية السياسية من اساسها، والتهديد بتفخيخ نسيج المجتمع العراقي واثارة الفتنة بين مكوناته والتلويح بحرب "قومية " بين الكرد والعرب، مثيراً بذلك قلق سائر المواطنين.
لم يعد لسكوت الرئيس من معنى، بعد ان تحول الانفراد الى تهديد مباشر للامن الوطني، وتلويح بالحرب التي يحرم الدستور بشكل قاطع على اي مسؤول زج البلاد فيها دون تفويض برلماني وموافقة رئاسية، مع ان دفع الجيش الى التدخل في الصراع السياسي بين الفرقاء لوحده يستحق الحجر السياسي على اي رئيس للوزراء مهما كان انتماؤه او نسبه السياسي.
هل يتحرك الرئيس، ويمارس دوره لحماية الدستور؟

تعليقات الزوار

  • مثنى

    اسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي

  • مسعود الكركوكي

    كلام صحيح ومنطقي لكن للاسف جائت متاخرة

  • عمر رائد خالد / بغداد

    كالعادة يجيش المالكي أقلامه المأجورة لقمع الأصوات التي تأتي بدليل على أنقلاباته على نفسه وذاته وعلى شركائه وشعبه، سبب بقاء هذه الحكومة الفاسدة هي هذه الأقلام الخانعة ، لكن الى متى ؟!! تحية لفخري كريم القلم الشجاع الذي لا يهادن الطغاة .

  • د.علي النروج

    السيد الكاتب قد شخص الداء بحكمة وذكاء فما على الرئيس طالباني والساسة الوطنيون الأفاضل الذين لم يطالهم بيع الذمم للمالكي ولم يكمم أفواههم ملايين الدولارات المسروقة من قبله كرشوة لهم مقابل السكوت..عليهم أستعمال الدواء وهوالأنتفاضة ومحاكمة هذه الزمرة من العص

  • د.علي النروج

    السيد الكاتب جرئ وصادق وشخص الداء فعلى فخامة الرئيس والساسة الشرفاء الذين لم يبيعوا ذممهم لعصابات اللاقانون مقابل ملايين الدولارات من الاموال المسروقةمن قوت الشعب المسكين من قبل هذه الزمرة الفاسدة..أن يصحوا ويشدوا العزم للايقاف الفوري لمغامرات هذا الشخص ا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top