مسار الديمقراطية في العراق إلى أين؟

آراء وأفكار 2013/01/07 08:00:00 م

مسار الديمقراطية في العراق إلى أين؟





لو كانت الأهداف الكبيرة تتحقق بمقدار ما تعبر فيه عن تطلعات المواطنين وحاجاتهم لاحتلت الديمقراطية موقع الصدارة في مجتمعاتنا العربية ،و منها العراق الذي ظل موسوماً بطابع التخلف والتبعية، كون الديمقراطية- كما أثبتت التجارب- محور تحقيق كل الأهداف النبيلة.
وفي العراق الذي عانى شعبه الظلم والاضطهاد والحرمان طوال الحقب الماضية كان هذا الحلم ومازال يراود الملايين منذ تشكيل الدولة العراقية عام 1921 حتى الآن . بل يمكن القول إن تضحيات هذا الشعب إبان فتره السيطرة الأجنبية ومطالبه بالاستقلال والتحرر جزء من نضالها من أجل حياة سعيدة يتمتع فيها الجميع بالعدل والمساواة. وإذا عدنا بالذاكرة إلى أولى تجارب التطبيق الديمقراطي في بلدنا لوجدناها مليئة بصور التسويف منذ إعلان أول دستور دائم للعراق عام. 1925  وبرغم ما كانت عليه من ملاحظات كثيره ثبتتها أوراق الأحزاب السياسية  آنذاك، فقد ظلت بنوده حبرا على ورق. وكانت الانتخابات البرلمانية تجرى بصوره شكلية ثم جاءت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 لتعلن الدستور الموقت ووعود بآخر دائم ،غير أن ما واجهته الثورة من تحديات ومخاطر وتهديدات حال دون تطبيق ما أعلنه قاد ة الثورة ، دون أن نغفل كثيرا مما تتحقق في العراق من إجراءات صبت باتجاه خدمة أبناء الشعب وخاصة الطبقات الفقيرة منه  ، ثم بدأ مسلسل التراجع عن أبسط المبادئ الديمقراطية. لقد شهد ت ساحة العمل السياسي تصفيات للخصوم وتعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان لم تستطع كل الشعارات بالحرية من طمس معالمها . باختصار كانت هذه هي صوره المشهد الديمقراطي في العراق لحين حدوث التغيير عام 2003 وما رافقه من شعارات لتحويل العراق إلى نموذج جديد في المنطقة .. عراق ديمقراطي يتمتع جميع أبنائه بحقوقهم في حرية التعبير والرأي وحياه كريمة ، وجاء الدستور ليؤكد هذه المفاهيم .
فما الذي حصل ؟
من المعروف أن الإدارة الأمريكية في بداية عملية التغيير اختارت المحاصصة من خلال مجلس الحكم كطريق لضمان تمثيل جميع المكونات فيه. ومعروف مدى ما سببه هذا الأسلوب من أذى على طريق التطبيق الديمقراطي ،حيث لم تسع الأطراف السياسية إلى التخلص من هذا النهج المحاصصي الذي فرض نفسه بأشكال متنوعة على عمليه الانتخابات في دورتين، كما أن المحاصصة  انتقلت إلى مفاصل الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية، ولم تفلح كل دعوات الأحزاب والشخصيات الديمقراطية في  تصحيح هذا المسار . ربما كانت الظروف الصعبة التي مر بها العراق وطبيعة التنوع المجتمعي فيه قد دعت إلى اختيار الديمقراطية التوافقية برغم ما فيها من سلبيات، من أبرزها أن هذا النوع من الديمقراطيات يدفع الأحزاب السياسية إلى انتهاج طرق تقربها من الطائفة وتكون النتيجة سلبية على الهوية الوطنية الجامعة.
لقد كان من المؤمل أن يتم من خلال الديمقراطية التوافقية ضمان عدم احتكار السلطة بيد فئة أو مجموعة وإشراك حقيقي لجميع مكونات المجتمع لإدارة البلاد، وهذه هي بعض إيجابيات هذا النوع من الديمقراطيات ،غير أن الواقع في العراق، ومع الأسف هو غير ذلك. فمنذ 2005 بداية تدشين أول تجربة انتخابية ظلت العملية السياسية تعانى  أزمات حادة وخطيرة بين الفرقاء السياسيين. والمشكلة الكبرى أن نخبنا لم تتعض من تجربتها السابقة ،فمارست نفس الأخطاء بعد انتخابات 2010 وتشكيل حكومة شراكة وطنية بعد حوالي ثمانية أشهر من انتهاء عملية فرز الأصوات، حيث كلنا يعلم أن الحكومة شكلت استنادا لما جاء في اتفاقية أربيل التي نصت على تحقيق شراكة وطنية فعلية كانت موضع خلاف منذ البداية . وهكذا استمر مسلسل الأزمات سواء بين المركز و الإقليم أو بين بقيه الشركاء السياسيين لأسباب مختلفة، لكنها تتمحور حول مدى ما لحق الديمقراطية من تشويه أضاع معالمها . وربما من المناسب هنا الإشارة إلى إحدى كلمات الرئيس التونسي بعد إسقاط زين العابدين بن علي عندما قال  "لا خير في ديمقراطية لا تشبع جوعانا ولا تكسي عريانا " لنستدل على مدى ابتعادنا عن تطبيق الحدود الدنيا من الديمقراطية التي هي ليست انتخابات ولا تعدد وسائل الإعلام ، بل هي طريق لحياة لا مكان للخوف فيها .
لا نريد هنا أن نستعرض مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كثر الحديث عنها، وتبدو واضحة وجلية في مستوى الخدمات المتدني وانتهاكات حقوق الإنسان و ما واجهه المتظاهرون في ساحه التحرير ولا الهدر في المال العام ومظاهر الفساد التي نخرت كل مؤسساتنا ، غير أننا نتساءل عن مستوى ما وصلت إليه القوى السياسية من أشواط على طريق بناء الدولة المدنية لنستدل من خلاله على ما لحق بالديمقراطية من تشويه متعمد أضاع علينا الكثير من فرص التقدم في العملية السياسية . ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن ما آلت إليه أوضاع العراق لا تتحمله جهة  دون أخرى، بل يشترك فيه  الجميع وبحسب مستوى مسؤولياتهم  ، كما أننا نجد أنفسنا مضطرين للقول هنا بأن مسار الطريق الديمقراطي في العراق مازال طويلا ويحتاج إلى مؤتمر عام تشترك فيه كل القوى السياسية، سواء ما كان منها ممثلا في مؤسسات الدولة أو من كان خارجها. ونقصد هنا التيارات والشخصيات الديمقراطية التي يعول عليها كثيرا في تصحيح هذا المسار . ونظن أن العراق في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى مراجعة شاملة لمجمل ما حصل في العراق منذ 2003 حتى الآن .. مراجعة نقدية جريئة يعترف فيها كل طرف بما ارتكبه من أخطاء عندما تستر بعباءة التوافقية ليخفي توجهاته المحاصصية التي كانت وراء كل هذا التشويه للديمقراطية . لا ندعي هنا أننا أوفينا الموضوع حقه. وحسبنا أن نفتح أبواب المناقشة لمثل هذا الموضوع المتعلق بروح وجوهر ما يريده المواطن .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top