فشل حكومة وانهيار دولة

آراء وأفكار 2013/07/26 10:01:00 م

فشل حكومة وانهيار دولة

يشهد العراق سلسلة عمليات إرهابية في ظل عدم اتفاق الكرد والشيعة والسنة  على طريقة مستقرة لتقاسم السلطة. وكانت  بغداد قد شهدت  يوم 20 يوليو /تموز2013 سلسلة عمليات إرهابية متفرقة، استهدفت معظمها  مناطق شيعية وأعلنت بغداد يوم 22 تموز ان 500 سجين على الأقل فروا من سجني التاجي وأبو غريب في بغداد  اللذين تعرضا لهجمات مسلحة، يأتي ذلك  وسط  موجات عنف  تشهدها بغداد وكركوك والمحافظات الأخرى، العملية أدت إلى مقتل وإصابة 68  شخصاً من حراس السجن أثناء الهجوم المسلح الذي استهدف سجني أبو غريب والتاجي في بغداد. وكان مسلحون مجهولون قد هاجموا مساء 21 يوليو 2013  سجني التاجي وأبو غريب، مستخدمين العبوات الناسفة والقذائف والأسلحة الرشاشة في محاولتهم لتهريب السجناء. ووقع الهجوم وهو احد اكبر العمليات المنظمة ضد السجون في العراق منذ 2003، بعد عام تماما من نشر رسالة صوتية لزعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو بكر البغدادي دعا فيها إلى مهاجمة سجون العراق. وقد تبنى تنظيم"الدولة الإسلامية في العراق والشام" يوم 23  تموز 2013 الهجوم على السجنين. واعترف التنظيم بانه كان يخطط لهذه العملية منذ أشهر.

الأمن والسياسة

أصبحت العلاقة مابين تدهور الأمن والأزمات السياسية علاقة طردية، وهو مؤشر على فشل الحكومة وتورط اطراف سياسية باستخدام العنف ورقة ضغط أو تصفية الخصوم . ومهما كان السبب فان حكومة بغداد شهدت محاولات ترقيعية منذ تشكيلها عام 2010، ليدار أغلبها بالوكالة وأن استمرار وإصرار الحكومة الحالية بالبقاء رغم الضحايا من الأبرياء يعكس عدم مبالاتها واستخفافها بدماء الأبرياء، رئيس الحكومة الذي يمسك بوزارة الدفاع والداخلية والمؤسسات الاستخبارية يتحمل المسؤولية اكثر. هذه الحكومة منذ سنوات تتبع ستراتيجية المطاولة للوصول إلى الانتخابات العامة 2014 بهدف الاحتفاظ بسيطرتها على ثروات العراق واستغلالها لشراء الذمم وتسقيط الخصوم والدعاية.

ويعزى تراجع الأمن في العراق إلى غياب المقومات الأساسية للأمن والدفاع إضافة إلى الفساد والتسييس،فلايوجد أمن بدون نظام سياسي مستقر وهذا غير متوفر في الحالة العراقية . فمنذ عام 2003 ولحد الآن يعيش العراق احتقاناً وترحيل الأزمات من أجل بقاء الأطراف السياسية في السلطة، فمهما اختلفت هذه الأطراف تتفق على الاستمرار، والأزمة في العراق تزداد تعقيدا كلما اقتربنا من الانتخابات العامة 2014. لقد استغلت التنظيمات"الجهادية" ضعف قدرات الأمن والدفاع، لتشن سلسلة من العمليات ضد أهداف،البعض منها كانت أهدافا نوعية،مثل مؤسسات الدولة والسجون لكنها مؤخرا تحولت ضد أهداف رخوة ،مثل الأماكن العامة والأسواق.

حادثة سجن أبو غريب والتاجي

إن حادثة سجن أبو غريب والتاجي لم تكن جديدة على المشهد الأمني العراقي فقد سبقتها العام الماضي عدة"غزوات"للقاعدة ابرزها سجن صلاح الدين والبصرة ومديرية مكافحة الإرهاب في شهر آب2012 في بغداد العاصمة ووفقا لبيانات"دولة العراق الإسلامية"فإن العملية جاءت استجابة إلى نداء أبو بكر البغدادي ضمن سلسلة غزوات"هدم الأسوار"أي إخراج معتقليهم. هذه الغزوات تضمنت تهديدا علنيا إلى القضاة وقضاة التحقيق بالقتل ، الرسالة كانت تهدف إلى التخفيف من الضغوطات على معتقليهم من خلال الحرب النفسية وتقوية المعنويات لمقاتليهم. وكانت مجموعة من الإرهابيين قد تسللوا إلى مبنى المديرية بعد وقوع تفجير سيارتين مفخختين بالقرب من مديرية النجدة وسط بغداد أسفرتا عن مقتل وإصابة 65 شخصاً. وكانت نتيجة الاقتحام قد أسفرت عن مقتل بعض الانتحاريين بعد ان قاموا بتفجير الأحزمة الناسفة التي كانوا يرتدوها لحظة دخول القوات. التحقيقات في عملية فرار السجناء وتهريبهم، كشفت عن تورط قيادات رفيعة المستوى في وزارة الداخلية بذلك مقابل تسلم الأموال ولم تتعد الإجراءات غير العزل أو التسريح، لتتحول وزارة الداخلية إلى بورصة لإخراج السجناء، هذا ما يتعلق بالعمليات الواسعة و"الغزوات"و كانت هنالك اطراف سياسية وأعضاء في البرلمان متورطة أيضا بإخراج السجناء المطلوبين بتهم الإرهاب والقتل مقابل الحصول على المال. فالرشوة والفساد هما اللذان تسيطران على الأمن والدفاع لتتحول وزارتا الداخلية والدفاع والمؤسسات الأمنية إلى دكاكين وأسواق بورصة لبيع المناصب والحقائب الوزارية . الحكومة تقوم بتشكيل لجنة في أعقاب كل عملية، لكن لحد الآن لم يطلع الشعب على أية نتائج لهذه التحقيقات. 
جاءت العاصمة العراقية بغداد ضمن قائمة اخطر مدن العالم في التصنيف الذي وضعه الـ CNN عن أسوأ مدن العالم من حيث الأمن، التي مزقتها الحرب، وتعد اقل مدن العالم أمنا بحسب تصنيف (جودة الحياة). وأصدرت منظمة"إيراك بادي كاونت"البريطانية في تقريرها بأنه بين 112 ألفا و122 ألف مدني قتلوا خلال أعمال العنف المتواصلة في العراق، فيما بلغ مجموع من قتلوا ومن ضمنهم المقاتلون والعسكريون نحو 170 ألف شخص.

عمليات عسكرية واسعة في الصحراء الغربية

سبق ان شنت القوات العراقية في 25 أيار 2013 عملية عسكرية على معسكر لتنظيم القاعدة في الأنبار غربي العراق، أطلقت عليها تسمية عملية"الشبح"وبالتحديد في الكيلو 90، الذي يربط العراق بالأردن وسوريا، لتعقب المسلحين. وسبق ان نشر الجيش قوات إضافية لدعم مواقعه على الحدود السورية. وفي الأنبار، تم إرسال وحدات من اللواءين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والعديد من سرايا الصاعقة إلى قواعد دوريات بالقرب من الحدود، بينما تم نقل عناصر من اللواء الثامن والثلاثين من محافظة ذي قار الجنوبية إلى"معبر ربيعة"الحدودي في شمال غرب محافظة نينوى. وتضمنت العمليات حملة انتشار في النخيب ـ الصحراء الممتدة مابين الأنبار وكربلاء ـ مناطق صحراوية لتعقب حركة عناصر تنظيم القاعدة. وأسفرت العملية، عن تدمير أحد أكبر معسكرات تنظيم القاعدة، ويسمى معسكر "سيف البحر"في الصحراء، واعتقال عدد من عناصر التنظيم. وفي نفس السياق بدأت عملية صولة فرسان دجلة في محافظة ديالى في نهاية شهر أيار 2013 لنفس الغرض لتشمل شريطَ ديالى الحدودي مع كركوك وصلاحِ الدين وحوضَ حمرين.

ستراتيجية"دولة العراق الإسلامية"الأمنية

إن تنفيذ هذه الغزوات من قبل"دولة العراق الإسلامية"يعكس مهنية هذا التنظيم القائم على أساس الخبرات العسكرية والاستخبارية. وفق إصدارات التنظيم التي تم نشر اغلبها على موقعه"الفرقان"فانه يمتلك ستراتيجية أمنية استخبارية يتم تنفيذها من خلال أكاديمية خاصة وخبراء، فالتنظيم يجمع الولاء الايدلوجي العقائدي مع الخبرات العسكرية والاستخبارية ويُخضع مقاتليه إلى دورات استخبارية أكاديمية تمتد إلى اكثر من عام مع استخدام التسلسل العسكري والألقاب العسكرية اكثر من الإسلامية. ويعتمد التنظيم على الاستخبارات اكثر من القدرة العسكرية والقوة البدنية لمقاتليه التي كانت تعتمدها القاعدة في زمن أبو مصعب الزرقاوي حتى مقتله 2006 .
إن توقيت العملية في هذا الوقت وفي أعقاب عمليات الجيش الواسعة في صحراء الأنبار والغربية يعكس مدى قدرة"دولة العراق الإسلامية"الاستخبارية. وهذه العملية تبرهن صحة نظرية معالجة الإرهاب بالمعلومات الاستخبارية وليس بنشر القوات. مثل هكذا عمليات تقوم على أساس تجنيد المصادر من داخل الأهداف أي السجون والمعتقلات قبل ان يتم وضع الخطة العسكرية التي تبدأ بأبجدية الاستطلاع وجمع المعلومات.
عملية سجن أبو غريب والتاجي بدأت في آن واحد بسقوط أكثر من مئة قذيفة هاون أعقبها هجوم بقاذفات الآربي جي والأسلحة المتوسطة والخفيفة وكذلك بتسعة إرهابيين انتحاريين وثلاث سيارات مفخخة، بالتزامن مع عملية الاقتحام حدثت أعمال شغب داخل قاعات السجناء صاحبها انقطاع مفاجئ في الكهرباء". هذه الترتيبات وبضمنها انقطاع التيار الكهربائي تعكس مدى المرونة والتخطيط . تقارير عمليات صلاح الدين وغيرها من عمليات تهريب السجناء كشفت ان التنظيم كان يهتم بكافة التفاصيل ومنها وجود مجموعات خارج السجن تقوم بنقل السجناء والتخفي بطريقة استخبارية حرفية، هذا النوع من العمليات النوعية يقابلها بؤس وضعف أجهزة الأمن والدفاع في العراق.
إن أسلوب مطاردة تنظيم القاعدة "دولة العراق الإسلامية من خلال شن عمليات عسكرية واسعة دون مسك الأرض ينتج عنه تراخٍ في قبضة الجيش خاصة المناطق الصحراوية واطراف المدن، وهذا يمكّن تنظيم القاعدة من العودة. 
إن الفساد والتسييس قد أصبحا جزءاً من الثقافة العراقية، التي تتضمن إعطاء رشاوى في نقاط التفتيش المرورية والابتزاز من خلال التهديد بالاعتقال وشراء الترقيات والاختلاس من رواتب المنتسبين، فمن الممكن استخدام رشوة نقاط التفتيش المرورية لجلب سيارات مفخخة إلى داخل المدن. إن دمج الميليشيات في قوات الدفاع والأمن، يعني احتمال وجود أعداد كبيرة من الأفراد الذين لهم علاقات بشخصيات سياسية أو عشائرية أو تنظيمات"جهادية" لتزويدها بالمعلومات والتعاون معها بتنفيذ عملياتها.
إن استمرار هذه الحكومة لا يعطي أي ضوء في نهاية النفق واستبعاد واستحالة أي انفراج ،فالإحصائيات تشير إلى ان وتيرة العنف والقتل بدأت تتصاعد منذ عام 2011 ولحد الآن بشكل متزايد وسط أزمات سياسية وفشل الحكومة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top