يعود طرفا الصراع في سوريا غداً الإثنين، إلى حلقة جديدة من جنيف الثاني رغم إرادتهما، بينما تتوالد على الأرض السورية ميليشيات جديدة، بعضها داخلي وبعضها مستورد، وتتوالى "انتصارات" الأسد، وهو في طريقه للترشح لولاية ثالثة تليها أخرى، بحسب الدستور الجديد، وترتفع عقيرة معارضيه بفقدانه أية شرعية، مع سقوط ما يقترب من 140 ألف قتيل، نتيجة تشبثه بالسلطة التي آلت إليه من والده، في تعديل دستوري تم خلال ساعات، وخفّض السن المطلوبة لرئاسة الجمهورية، ليتناسب مع ما بلغه من العمر آنذاك، وواضح أن الحرس القديم توهم القدرة على السيطرة على الرئيس الشاب قليل الخبرة، لكن الأيام أثبتت أنه أدهى وأمر منهم، وقد صفّاهم واحداً بعد الآخر، مُنشئاً بطانةً جديدةً تدين بالولاء لشخصه، وليس لذكرى والده.
في الجولة الأولى من جنيف الثاني، الفاشلة كما ينبغي القول، تواجه الطرفان بعقليتين مختلفتين وبأهداف متباينة، وهذا طبيعي، ومع اعترافهما بأن مفاوضاتهما تستند على مقررات جنيف الأول، فإن تفسيراتهما لتلك المقررات كانت متباعدة، فوفد المعارضين يطالب بتشكيل هيئة حكم انتقالية، والوفد الرسمي يسعى لحشد التأييد لحرب موهومة ضد الإرهاب، وعلى امتداد الجغرافيا السورية كانت المعارك تأخذ أبعاداً جديدة، ناجمة عن حرب يخوضها النظام ضد طموحات شعبه، وأخرى مستوردة تستهدف تصفية حسابات إقليمية ودولية، على حساب الدم السوري الذي استرخصه الجميع، فيما تحول الحراك السلمي إلى حرب أهلية طائفية، انخرطت فيها تنظيمات تكفيرية، كان النظام ساند بعضها، لإرباك الجيش الأميركي في العراق.
كانت المفاجأة أن جنيف الأول، لم يلحظ التدخلات الخارجية، وركز اهتمامه على حق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، تساوقاً مع موجة الربيع التي كانت تجتاح العالم العربي، وكان همّ وفد المعارضة ينصب على الأزمة الداخلية كما يفهمها، وأن جنيف الثاني لن يكون ميداناً لتسوية تدخلات وصراعات الخارج، التي لعبت دورا سلبياً، أطال زمن الأزمة، بعد أن ظلل بظلال سوداء أهداف الحراك الشعبي وشرعيته، وعلى قاعدة أن أساس أي حل، هو نظام انتقالي، وليس إعادة تأهيل نظام الأسد، الذي يعتبره الوفد الرسمي خطاً أحمر، وهو مستعد لنسف أي عملية تفاوضية تقترب من سلطته، أو حقه في استمرارها.
وفد النظام ناور طويلاً قبل قبوله العلني بمقررات جنيف الأول، مع تحفظه على بعضها، خصوصاً تلك المتعلقة بتشكيل الهيئة الانتقالية كاملة الصلاحيات، والتي ستنقل سوريا إلى النظام الديمقراطي البديل، بينما ترى دمشق الرسمية، مُؤيدة بالتفسير الروسي، أن أساس الحل هو النظام، وتقدم تفسيرات تناقض حقيقة وثائق جنيف الأول، مثل ضرورة تشكيل لجان تسبق قيام الهيئة، مهمة إحداها وقف إطلاق النار، وإلغاء ما يقوله القرار حول أولوية تشكيل الهيئة الحاكمة، التي يقع على عاتقها الإشراف على وقف إطلاق النار، وسحب الجيش من المدن، وتطبيق مبادرة كوفي عنان، وبالتزامن مع هذا ترى موسكو وتُروّج لانتخابات، يحق للاسد المشاركة فيها، كبديل للانتقال الى نظام دعا إليه القرار الدولي، وفيه إلغاء الدستور، الذي يتيح للاسد فرصة الترشح، ويقلص صلاحيات أي رئيس جديد على الجيش والأمن والقضاء.
تكمن المشكلة في جنيف الثاني، في الخلاف الدولي حول شكل حل الأزمة السورية، والتفسيرات المتباينة لوثائق جنيف الأول والقرار 2118، ويلعب وفدا النظام والمعارضة دور الكوومبارس، فيما يستمر نزيف الدم السوري، وتتعقد المشكلة يومياً، بدخول عناصر جديدة بأجندات مختلفة إلى حلبة الصراع، وفيما تتفتت قوى المعارضة فإن قوات الأسد تواصل التقدم مقصية أي أمل بأي حل سلمي.
جنيف وطرقها المسدودة
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2014: 09:01 م