اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أدباء البصرة ومحافظها

أدباء البصرة ومحافظها

نشر في: 8 فبراير, 2014: 09:01 م

بدأ رئيس اتحاد أدباء البصرة اتصالاته مع الادباء في الهيئة العامة قائلا لهم: أجلبوا وثائقكم الرسمية فقد حصلت موافقة المحافظ، الدكتور ماجد النصراوي على منح كل أديب في البصرة قطعة أرض سكنية. يا للبشرى، ويا له من خبر سيدخل السرور على كثير من الأدباء الذين قضوا الشطر الأول والثاني والثالث وربما الثامن من حياتهم بدون سكن، وهكذا في لحظة صادقة تمكنت الحكومة المحلية من حل معضلة بدت عصية قبل التفكير بها. لسان حال الادباء وأسرهم اليوم يقول: شكراً يا محافظ البصرة.
ومعلوم أن قضايا مثل شبكة الماء والكهرباء والمجاري والسكن وسواها في مكان ما من العالم، أصبحت من حديث الماضي، حيث توجهت الحكومات للبحث عن قضايا أكثر تعقيداً لكنها باتت من صميم حاجة الناس، مثل وسائل الترفيه الحديثة ومدن الدزني لاند والمغامرة الخيالية وبحوث التسلية تحت أعماق البحار وغيرها. لأن وسائل مثل هذه لم تعد خارج عناية السكان أو غير ضرورية للتنمية البشرية. ولعلنا معشر المثقفين نزعم اننا أجدر الناس بالعيش الكريم، لذا لن تكون قضية السكن لدينا أقصى الطموح وأبعد المُنى، ولن يكون طلبنا بمدينة سكنية مثالية خارج المعقول السياسي بالنسبة لمحافظ غير تقليدي، يحمل عقلاً نيّراً ويُصغي لهواجس أبناء مدينته وهو الذي استقدم واحدة من أكبر الشركات العالمية المتخصصة في تصاميم المدن الحديثة لمدينة كالبصرة، تعوم على محيط من النفط، وقد عانى الإنسان فيها ما عانى من الويلات.
  توزيع قطعة أرض سكنية قضية بسيطة جداً، وهي حق من حقوق الأستاذ الجامعي مثلما هي حق للعامل البسيط في البلدية، لذا سيكون إجراء المحافظة في توزيع القطع السكنية ناقصاً للنخب المثقفة إن ساوت بينهم وبين موظفي أدنى الدرجات الوظيفية، وما ذلك بتعالٍ على احدٍ، لكننا نقرأ ونسمع ونتحدث عن مساكن المفكرين والموسيقيين ومخرجي السينما وكبار الكتاب في العالم التي ساهمت في تكوين ثقافتهم ونضج إبداعهم وكيف تحولت المساكن هذه مع الزمن إرثاً عاماً ومزاراتٍ ومتاحفَ هي اليوم مقصد السيّاح وبغية الباحثين ومراد الذين يرون في الثقافة ورجالاتها صورة مثالية للأزمنة تلك .
ولا أغالي إن قلت: في مدينتنا من الكتاب والمفكرين والمثقفين من يستحق أن نبني له مسكناً يحاكي مساكن أقرانه من حَمَلة الفكر والعلم في أي مكان مثالي من العالم.
  وبسبب من جهل وغباء وحُمقٍ سياسيٍّ حكوميٍّ رسمي، وتفريط شعبي، أضعنا الصغيرة والكبيرة من حياة واحد من أهم شعراء العربية اليوم، ذلك هو بدر شاكر السياب، فنحن لا نملك له مكتبةً، كرسياً، قميصاً .. الخ وهو الذي سكن داراً حكومية في منطقة المعقل تحولت عبر الزمن إلى مرآب للسيارات. وكذلك لم نحفظ ارث واحد من أشهر سياسيي المدينة بل والمرشح لعرش العراق، هو السيد طالب باشا النقيب. وللأسباب نفسها، أضعنا نفائس الأسرة الباش اعيانية العباسية، آخر حلقة وصل لنا بالأجداد العباسيين، ومثلها فقدنا إرث العشرات إن لم نقل المئات من الاسماء التي دوّت ولا زالت تدوي في تواريخ العرب والمسلمين والإنسانية.
    قد يقول غيرُ واحد: يا طالب إلى أين أنت ذاهب بقولك؟ وهل هناك في حكومتك من يسمع لك، فأقول : أي نعم، هنالك من يفكر بأبعد من ذلك، وإن لم يسمع فعلي إسماعه حتى وإن لم يصغ لي، وهي أمانة وقولة الحق بالنسبة لي، ولأني أرى أن وجهة الحكومة المحلية الحالية غير وجهة سابقاتها من الحكومات، سأبيح لنفسي ذلك كله وأطالبها بان تفكر بعقل أكبر من قطعة ارض، ولأتحدث عن الثقافة والفنون والآداب بوصفها الأخلد في ذاكرة الشعوب من أي فعل سياسي، ذلك لأني تصفحت التواريخ فوجدت أن أعمال شكسبير تُقرأ وتُمثل على المسرح إلى اليوم، لكن لا أحد يذكر الملك هنري الثامن. ومات أكثر من رئيس أمريكي لكن "أوراق عشب" والت ويتمان ظلت خالدةً، وذهب نابليون بكل عُنجهيته وظل ميرابو وهيغو وستاندال، وذهبت إلى غير رجعة طائفة القياصرة لكن تولستوي وبوشكين ودستويفسكي وغيرهم ظلوا خالدين في الذاكرة الروسية والانسانية إلى اليوم. تقصد الناس بيوتهم وتقرأ نفائسهم. وفي تأريخنا العربي نسيت الناس ابن حمدون وكافور الاخشيدي وكيغلق وسواهم لكن المتنبي الشاعر ظل خالداً وسيظل إلى ما شاء الله على الرغم من مرور أكثر من ألف سنة على وفاته.
معيب جداً على حكوماتنا كلها أن لا تفكر بجدية المخلصين الأمناء على بلدانهم عبر العناية الفائقة بحياة الأدباء والفنانين والمفكرين، وإكرام حياتهم بالسكن والرفاهية والعلو من شأنهم، ولأن السياسة فعل زائل وعمل من أعمال القوة والدهاء والمكر أيضاً، فهي الأقدر على فعل ما لا يقدر عليه الآخرون، بمعنى أنها المعنية بذلك كله. وحتى لا نكذب على احد، نقول: يا حكوماتنا الدينية، إنك لن تطيلي المُكث طويلاً، وقائمة الرافضين لطريقتكم في الحكم تطول يوما إثر آخر، ولن يذكر الناس لكم مَحْمَدةً واحدة إن اطاحت بكم يوما ما، فسارعوا لخلودكم عبر عنايتكم بمن يملك آلة الخلود، ولكم في أوروبا عصر النهضة الاسوة الحسنة، فقد مات البابوات والقياصرة والأباطرة والملوك وظلت خالدة أعمال مايكل انجلو ودافنشي وجايكوفسكي وو... الأعمال التي كتبت وأنتجت في عصورهم الغابرة فخلدتهم. كانوا أباطرة وأذكياء.
المطلوب اليوم اذ تبدو في البصرة فرصة جديدة، ان نتشاور لتمويل مشاريع واضحة، ابعد من ترميم بيت الشناشيل الذي يستقر فيه الادباء. فتدبير بسيط ومال قليل، يمكن ان يعيد للمدينة روحها التاريخية شعرا وأدبا وفنا. المطلوب ان نحدد بوضوح ما نريد، وان نغتنم فرصة لإحداث فرق في الحياة المعنوية للبصرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram