2-2 الفضاء شمالي والعلامات الدالة على البيئة معروفة وموجودة في لوحاته التشكيلية ، مما جعل منها مرجعاً لسرديات تومئ لفواجع الكرد ، وستعبر وجهاً للقراءة ، وتفتح الآفاق أمام التأويل وتعدد القراءة الممنوحة للمتلقي . وعلى الرغم من أن الدمار والقتل والتهج
2-2
الفضاء شمالي والعلامات الدالة على البيئة معروفة وموجودة في لوحاته التشكيلية ، مما جعل منها مرجعاً لسرديات تومئ لفواجع الكرد ، وستعبر وجهاً للقراءة ، وتفتح الآفاق أمام التأويل وتعدد القراءة الممنوحة للمتلقي . وعلى الرغم من أن الدمار والقتل والتهجير الذي عرفه الكرد وعاشوا تفاصيله ومروياته الغفيرة جعل الإبداع منه نافذة حرة ، مفتوحة على اتساعها لتقديم توصيف تأويلي عن فجيعة الطائر وماذا يعني طيرانه المستمر والأفقي ، ولابد من حضور البيئة من خلال حضور جبالها الموضوعي والرمزي وسيطاً مهيمناً في القراءة لطائر إسماعيل الخياط من الممكن أن لا تكون الصخور في اللوحات امتداداً لقمم الجبال ، بل هي رمز دال على سيزيف وصخرته ، وحاول الفنان التناص معها للتماثلات الواضحة بين الأنين على الرغم من التباين في النوع الفني وأظن بأن مهمة إسماعيل بالتجاور مع أسطورة سيزيف تشكيليا مهمة صعبة للغاية ، ولذا لم يشر لها من كتب عن الخياط . والطائر في اللوحات شاهد على سرديات البيئة / والفضاء . كما يمكننا أن نقول بالدلالة الميتافيريقية للصخور . وتبدّت صخور اللوحات غير المؤطرة مفتوحة وسماوية وصخور السماء هي صخور الروح ، وصخور الروح لا تنكسر مثلما قال أدوار خراط / من حوار معه / مجلة فصول عدد 59 / ربيع 2001//
قدمت لوحات الخياط الطبيعة في الشمال وكأنها محترفة أو مغطاة بالثلوج ، بمعنى غياب ملمحها المعروف أو اندثاره تحت شيء لا يفل إثارة من فجائع الدمار ، هذه لوحات كان الطائر مركزاً لها ، وكأنه يجتاز خراباً شمولياً ، مات الكائن الإنساني وظل الطائر حياً وحاضراً ، وكأنه دلالة على حلم الإنسان الكردي الذي لن يموت في كل الحروب والكوارث التي حصلت بتاريخه الحديث ، لأن الحلم جمعي ، وهو تكونات منتجة من قبل الفرد والجماعة ، مثلما هو الآتي والرأسمال الرمزي الذي لن تستطيع الجماعات العيش بمعزل عنه . ويبدو لي بأن الصخور في لوحات الخياط هي أحلام الكرد الرمزية الباقية للابد وهي علامات على القيم الأزلية الصاعدة إلى السمو والعلو ، والطائر آلية التجسد الفني والمتناوب بالمعنى ، كما ان العلو السماوي مكشوف ومعبر عنه بالصخور والطائر ، والأهم في آلية التعبير ، نجاح الخياط بوسائله الموضوعية لرسم ملحمة الحضور والغياب التي اختصرها الطائر مثلما سنرى .
الطائر المحلق ، المرتفع ، الصاعد للأعالي ، هو أفضاء نحو مساحة واسعة من النور الطائر كائن نوري ، والظلمة قامعة له ، لا بل يبدأ هجوعه في لحظات غروب الشمس . النهار حرية الطائر واختبار إرادته على الفعالية المستمرة ، وهو كائن منفلت عن المطاردة وهارب من الملاحقة ، دائماً له منفى ،ومن هنا تبدّت هجرة الكردي المستمرة . غربة متتالية مكان متغير ، مطرود منه . ودائماً ما ظهرت لوحات إسماعيل الخياط فضائية ، محلقة فيها طيوره الهاجّة ، أو هي في استراحة مؤقتة على حافة الجبل / المكان العالي ، المتسامي بقداسة من نوع خاص .
لوحات إسماعيل الخياط مفتوحة بدون إطار تقليدي ، مسبح لها . إنها متناظرة مع سماوات الطائر ، الذي دائماً ما يتخذ الغرب مسلكاً له ، إنها المنافي / الأماكن المحتضنة للكردي ، أنقذته من حروب الإبادة ومطاردات القهر والترحيل .
طيور إسماعيل الخياط ترف بهويتها القومية والإنسانية ، واستمرار الطيران إعلان لها عن الهجرة ، وهي صورة مغايرة عن غيرها ، لأنها مقترنة مع أمانيّ اعتادت عليها ..
وجدنا لوحات عديدة ، فيها تباين بسيط ، لكنه يفضي لاتساعات المعنى وتعدد الدلالة وعلى سبيل المثال ، لوحة مكونة من تشخيصات صخرية ، كتل مثلومة ، وكأنها منزوعة من جبلها ارض سوداء محروقة ، سوداء على صفحة الجبل الأبيض . وبقع حمراء وخطوط مائلة ممتدة أفعوانيا فوق سطح الجبل ، وما تفضي إليه تخطيطات الخياط مشترك مع لوحاته عن الطائر الهارب / الخلاص عبر طيرانه الأفقي .
وهناك لوحة مشوهة الألوان . متضادة بجدتها وتنافرها لكن الأبيض له مساحة حاضنة لمدورة حمراء ، انفتحت لطائر أبيض ودلالته الرمزية واضحة . ووضع الخياط ثلاث دوائر حمراء صغيرة بيضاء . وعين الطائر حمراء ومعناها واضح ، اختزل تاريخاً من القهر والاضطهاد / القسوة التي تعرض لها الكرد ، المرموز له بالطائر المحلق نحو حريته ولم يحصد غير بؤر الدم المعطلة له ، وهو في طيرانه الأفقي نحو حلم الخلاص . وما في هذه اللوحات من أماكن وفضاءات مدمرة ، كل ما فيها يشير للدمار .
**********************
في طفولته حصلنا أنا وأخي على طير كهدية وبدأنا نهتم به ، لكنه مات ذات يوم ودفناه ، حزن هذا الطير بقي عالقاً في ذاكرتي البصرية كنت أتمنى ألا يموت ، ان يبقى معي دائماً ، لهذا امنحه في أعمالي هذا الوجود المفترض / إسماعيل الخياط / من مقال للفنان على النجار / صحيفة بغداد / 1/4/2010 وأعادت نشره الصباح يوم 31/12/2010 //
تعامل إسماعيل مع الطائر بوصفه كائناً حياً وأضفى عليه خصائص الكائن وتبدّى هذا بدفنه بعد الموت والدفن صيانة للكائن وتقديس لكينونته . مات الطائر الرامز للكائن الكردي ،وهذا احد أهم دلالاته ومعانيه الرمزية واقترن أيضا بمخيال الشعوب وصار بعضا من ذاكرة المعتقدات والأساطير التي تم توظيفها شعرياً .
رحلة الطائر برسومات الفنان إسماعيل مسربة كما قلنا ، وصراعية من اجل البقاء . رحلة هروب وبحث عن خلاص في فضاء غير محدد وغير متناه . لذا ظلت لوحاته مفتوحة وغير مؤطرة كان الطائر فيها حياً ، متجهاً نحو مستقبله ، المفتوح على احتمالات مكان غير معروف . والأمان هو الوحيد الذي يسترضيه ويدعوه للاستقرار .طائر إسماعيل الخياط مهاجر ، لأنه مطرود ، لا يعرف شيئاً عن مكانه الجديد وزمنه الآتي ، كان يعيش لحظاته القاسية وسط مغامرة محفوفة بالمخاطر ، متمثلة بهروب الحال إلى حال آخر غير محمود تماماً .
الطائر يومئ ، معروف ومألوف ولكثرة معيشته لم يثر الاهتمام الأكثر لكن التخيّلات أنتجت مرويات له وأسطرته وتحول في لوحات إسماعيل الخياط إلى أسطورة مقترنة بمكان جبلي خاص ، يومئ لفجيعته بالألوان الزرقاء والسوداء التي منحها الخياط لوناً له .
طائر أبيض ـ كسر مألوف الأزرق والأسود ـ مفروش الجناحين حلق وسط مدوّرة حمراء / دموية ، وعلى حافتها ثلاث عيون دموية كأنها ذات وظيفة سحرية حامية للطائر في رحلته ، متجاوزاً الجبال ولكن إلى أين ....؟ هو لا يدري بما ستكون عليه أسطورته . لأنه استكشافي . خلاصة في التحليق ، وبالعلاقة مع السماوي / المقدس / الميتافيزيقي .
أعادت أساطير إسماعيل الخياط الطائر التاريخ التراجيدي إلى بعده الميثولوجي العميق عبر الرموز المتخيلة والاستعارات المفتوحة على الدلالة . وتبدّي البعد الميثولوجي موضحاً بالألوان ودلالتها الطافية في اللوحة . وتفيض المأساة بمرويات لا نستطيع إبعادها عن الطائر ومرجعياته وسردياته المفتوحة على الواقعي والمعيش ،إنه أسطورة الهروب من الموت أو الاحتراق بنيران الطرد .
ترك الطائر وراءه كل شيء وغادر مكتفياً بالذاكرة والحلم . لم يكن طائر إسماعيل الخياط بعيداً عن الشبكة الرمزية التي أنتجها فريد الدين العطار في " منطق الطير " وحتماً كان طائر الخياط متجاوراً مع غيره من الطيور المتجهة نحو الحلم ، ويبدو بأنه الذي يقود ، لأنه ظهر في ابتداء اللوحة مظهرية طيوره لم تنفصل عن مدارتها الأرضية ، بهاجس استعادة فنائها [ مقبرتها ] الأولى . وإن بدت مزهوة بتفاصيل نثارها ، فان احتفاءه بها هو الآخر ، لا ينفصل عن ولهه بلملمة نثار الطبيعة التي تمثلت أجسادها في نزعة إحيائية طقسية أكسبت الفنان بعض عوامل توازن إدراكاته السرية لمصادرة الإلهامية كمعادل للتصالح وسيرته المحيطية وقتها.
/ علي النجار / طائر إسماعيل الخياط المفقود / الصباح 31/12/2010.