TOP

جريدة المدى > عام > طائر إسماعيل الخياط.. اتساع المعنى وتعدّد الدلالة

طائر إسماعيل الخياط.. اتساع المعنى وتعدّد الدلالة

نشر في: 9 فبراير, 2014: 09:01 م

2-2 الفضاء شمالي والعلامات الدالة على البيئة معروفة وموجودة في لوحاته التشكيلية ، مما جعل منها مرجعاً لسرديات تومئ لفواجع الكرد ، وستعبر وجهاً للقراءة ، وتفتح الآفاق أمام التأويل وتعدد القراءة الممنوحة للمتلقي . وعلى الرغم من أن الدمار والقتل والتهج

2-2

الفضاء شمالي والعلامات الدالة على البيئة معروفة وموجودة في لوحاته التشكيلية ، مما جعل منها مرجعاً لسرديات تومئ لفواجع الكرد ، وستعبر وجهاً للقراءة ، وتفتح الآفاق أمام التأويل وتعدد القراءة الممنوحة للمتلقي . وعلى الرغم من أن الدمار والقتل والتهجير الذي عرفه الكرد وعاشوا تفاصيله ومروياته الغفيرة جعل الإبداع منه نافذة حرة ، مفتوحة على اتساعها لتقديم توصيف تأويلي عن فجيعة الطائر وماذا يعني طيرانه المستمر والأفقي ، ولابد من حضور البيئة من خلال حضور جبالها الموضوعي والرمزي وسيطاً مهيمناً في القراءة لطائر إسماعيل الخياط من الممكن أن لا تكون الصخور في اللوحات امتداداً لقمم الجبال ، بل هي رمز دال على سيزيف وصخرته ، وحاول الفنان التناص معها للتماثلات الواضحة بين الأنين على الرغم من التباين في النوع الفني وأظن بأن مهمة إسماعيل بالتجاور مع أسطورة سيزيف تشكيليا مهمة صعبة للغاية ، ولذا لم يشر لها من كتب عن الخياط . والطائر في اللوحات شاهد على سرديات البيئة / والفضاء . كما يمكننا أن نقول بالدلالة الميتافيريقية للصخور . وتبدّت صخور اللوحات غير المؤطرة مفتوحة وسماوية وصخور السماء هي صخور الروح ، وصخور الروح لا تنكسر مثلما قال أدوار خراط / من حوار معه / مجلة فصول عدد 59 / ربيع 2001//
قدمت لوحات الخياط الطبيعة في الشمال وكأنها محترفة أو مغطاة بالثلوج ، بمعنى غياب ملمحها المعروف أو اندثاره تحت شيء لا يفل إثارة من فجائع الدمار ، هذه لوحات كان الطائر مركزاً لها ، وكأنه يجتاز خراباً شمولياً ، مات الكائن الإنساني وظل الطائر حياً وحاضراً ، وكأنه دلالة على حلم الإنسان الكردي الذي لن يموت في كل الحروب والكوارث التي حصلت بتاريخه الحديث ، لأن الحلم جمعي ، وهو تكونات منتجة من قبل الفرد والجماعة ، مثلما هو الآتي والرأسمال الرمزي الذي لن تستطيع الجماعات العيش بمعزل عنه . ويبدو لي بأن الصخور في لوحات الخياط هي أحلام الكرد الرمزية الباقية للابد وهي علامات على القيم الأزلية الصاعدة إلى السمو والعلو ، والطائر آلية التجسد الفني والمتناوب بالمعنى ، كما ان العلو السماوي مكشوف ومعبر عنه بالصخور والطائر ، والأهم في آلية التعبير ، نجاح الخياط بوسائله الموضوعية لرسم ملحمة الحضور والغياب التي اختصرها الطائر مثلما سنرى .
الطائر المحلق ، المرتفع ، الصاعد للأعالي ، هو أفضاء نحو مساحة واسعة من النور الطائر كائن نوري ، والظلمة قامعة له ، لا بل يبدأ هجوعه في لحظات غروب الشمس . النهار حرية الطائر واختبار إرادته على الفعالية المستمرة ، وهو كائن منفلت عن المطاردة وهارب من الملاحقة ، دائماً له منفى ،ومن هنا تبدّت هجرة الكردي المستمرة . غربة متتالية مكان متغير ، مطرود منه . ودائماً ما ظهرت لوحات إسماعيل الخياط فضائية ، محلقة فيها طيوره الهاجّة ، أو هي في استراحة مؤقتة على حافة الجبل / المكان العالي ، المتسامي بقداسة من نوع خاص .
لوحات إسماعيل الخياط مفتوحة بدون إطار تقليدي ، مسبح لها . إنها متناظرة مع سماوات الطائر ، الذي دائماً ما يتخذ الغرب مسلكاً له ، إنها المنافي / الأماكن المحتضنة للكردي ، أنقذته من حروب الإبادة ومطاردات القهر والترحيل .
طيور إسماعيل الخياط ترف بهويتها القومية والإنسانية ، واستمرار الطيران إعلان لها عن الهجرة ، وهي صورة مغايرة عن غيرها ، لأنها مقترنة مع أمانيّ اعتادت عليها ..
وجدنا لوحات عديدة ، فيها تباين بسيط ، لكنه يفضي لاتساعات المعنى وتعدد الدلالة وعلى سبيل المثال ، لوحة مكونة من تشخيصات صخرية ، كتل مثلومة ، وكأنها منزوعة من جبلها ارض سوداء محروقة ، سوداء على صفحة الجبل الأبيض . وبقع حمراء وخطوط مائلة ممتدة أفعوانيا فوق سطح الجبل ، وما تفضي إليه تخطيطات الخياط مشترك مع لوحاته عن الطائر الهارب / الخلاص عبر طيرانه الأفقي .
وهناك لوحة مشوهة الألوان . متضادة بجدتها وتنافرها لكن الأبيض له مساحة حاضنة لمدورة حمراء ، انفتحت لطائر أبيض ودلالته الرمزية واضحة . ووضع الخياط ثلاث دوائر حمراء صغيرة بيضاء . وعين الطائر حمراء ومعناها واضح ، اختزل تاريخاً من القهر والاضطهاد / القسوة التي تعرض لها الكرد ، المرموز له بالطائر المحلق نحو حريته ولم يحصد غير بؤر الدم المعطلة له ، وهو في طيرانه الأفقي نحو حلم الخلاص . وما في هذه اللوحات من أماكن وفضاءات مدمرة ، كل ما فيها يشير للدمار .
**********************
في طفولته حصلنا أنا وأخي على طير كهدية وبدأنا نهتم به ، لكنه مات ذات يوم ودفناه ، حزن هذا الطير بقي عالقاً في ذاكرتي البصرية كنت أتمنى ألا يموت ، ان يبقى معي دائماً ، لهذا امنحه في أعمالي هذا الوجود المفترض / إسماعيل الخياط / من مقال للفنان على النجار / صحيفة بغداد / 1/4/2010 وأعادت نشره الصباح يوم 31/12/2010 //
تعامل إسماعيل مع الطائر بوصفه كائناً حياً وأضفى عليه خصائص الكائن وتبدّى هذا بدفنه بعد الموت والدفن صيانة للكائن وتقديس لكينونته . مات الطائر الرامز للكائن الكردي ،وهذا احد أهم دلالاته ومعانيه الرمزية واقترن أيضا بمخيال الشعوب وصار بعضا من ذاكرة المعتقدات والأساطير التي تم توظيفها شعرياً .
رحلة الطائر برسومات الفنان إسماعيل مسربة كما قلنا ، وصراعية من اجل البقاء . رحلة هروب وبحث عن خلاص في فضاء غير محدد وغير متناه . لذا ظلت لوحاته مفتوحة وغير مؤطرة كان الطائر فيها حياً ، متجهاً نحو مستقبله ، المفتوح على احتمالات مكان غير معروف . والأمان هو الوحيد الذي يسترضيه ويدعوه للاستقرار .طائر إسماعيل الخياط مهاجر ، لأنه مطرود ، لا يعرف شيئاً عن مكانه الجديد وزمنه الآتي ، كان يعيش لحظاته القاسية وسط مغامرة محفوفة بالمخاطر ، متمثلة بهروب الحال إلى حال آخر غير محمود تماماً .
الطائر يومئ ، معروف ومألوف ولكثرة معيشته لم يثر الاهتمام الأكثر لكن التخيّلات أنتجت مرويات له وأسطرته وتحول في لوحات إسماعيل الخياط إلى أسطورة مقترنة بمكان جبلي خاص ، يومئ لفجيعته بالألوان الزرقاء والسوداء التي منحها الخياط لوناً له .
طائر أبيض ـ كسر مألوف الأزرق والأسود ـ مفروش الجناحين حلق وسط مدوّرة حمراء / دموية ، وعلى حافتها ثلاث عيون دموية كأنها ذات وظيفة سحرية حامية للطائر في رحلته ، متجاوزاً الجبال ولكن إلى أين ....؟ هو لا يدري بما ستكون عليه أسطورته . لأنه استكشافي . خلاصة في التحليق ، وبالعلاقة مع السماوي / المقدس / الميتافيزيقي .
أعادت أساطير إسماعيل الخياط الطائر التاريخ التراجيدي إلى بعده الميثولوجي العميق عبر الرموز المتخيلة والاستعارات المفتوحة على الدلالة . وتبدّي البعد الميثولوجي موضحاً بالألوان ودلالتها الطافية في اللوحة . وتفيض المأساة بمرويات لا نستطيع إبعادها عن الطائر ومرجعياته وسردياته المفتوحة على الواقعي والمعيش ،إنه أسطورة الهروب من الموت أو الاحتراق بنيران الطرد .
ترك الطائر وراءه كل شيء وغادر مكتفياً بالذاكرة والحلم . لم يكن طائر إسماعيل الخياط بعيداً عن الشبكة الرمزية التي أنتجها فريد الدين العطار في " منطق الطير " وحتماً كان طائر الخياط متجاوراً مع غيره من الطيور المتجهة نحو الحلم ، ويبدو بأنه الذي يقود ، لأنه ظهر في ابتداء اللوحة مظهرية طيوره لم تنفصل عن مدارتها الأرضية ، بهاجس استعادة فنائها [ مقبرتها ] الأولى . وإن بدت مزهوة بتفاصيل نثارها ، فان احتفاءه بها هو الآخر ، لا ينفصل عن ولهه بلملمة نثار الطبيعة التي تمثلت أجسادها في نزعة إحيائية طقسية أكسبت الفنان بعض عوامل توازن إدراكاته السرية لمصادرة الإلهامية كمعادل للتصالح وسيرته المحيطية وقتها.
/ علي النجار / طائر إسماعيل الخياط المفقود / الصباح 31/12/2010.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram