أمس كنتُ شاهداً على أن قواتنا الأمنية يُمكنها أن تتصرف بمهنية، إن أرادت أو وُجهت إليها الأوامر بذلك. في ساحة الفردوس تفرجتُ وقتاً مناسباً على التعامل المهني لهذه القوات مع مئات كانوا ينظمون وقفة احتجاجية أو مظاهرة.
لم تفعل هذه القوات سوى حراسة التظاهرة وتأمين بدئها وتواصلها وانفضاضها بسلام وسكينة بالوقوف على مسافة من المتظاهرين وعدم مضايقتهم، وتسهيل مهمة الاعلاميين الذين حضروا بالعشرات لتغطية الحدث، فلم تصدّ صحفياً أو تعتقله أو تضربه بالكرابيج، ولم تكسّر لمصور كاميرته ولم تمنع سيارات النقل الفضائي الحي (SNG).. هذا هو التصرف المهني للقوات الأمنية في بلد يكفل دستوره حرية التعبير، بما فيها تنظيم التظاهرات.
لكن، من حقنا أن نسأل: لماذا تكيل قواتنا الأمنية والقائمون عليها بمكيالين؟ لماذا تسمح بتنظيم تظاهرة وتمنع أخرى؟ لماذا تتعامل بمهنية مع متظاهرين سلميين ولا تتعامل بالمثل مع متظاهرين سلميين آخرين، فتهاجمهم وتمنعهم من التحرك ومواصلة تظاهرتهم، وتتعامل بعدوانية مع الاعلاميين الساعين لتغطية التظاهرة؟
التظاهرات التي جرت منذ شباط 2011 حتى الان، معظمها لم تتصرف معها القوات الأمنية بمهنية، ابتداءً من منح رخصة التظاهر وانتهاء بالتظاهر نفسه.. أستثني من ذلك التظاهرات الموالية للحكومة ولحزب الدعوة ورئيسهما، فهذه كانت تحظى دائماً، كما تظاهرة أمس، بخدمة أمنية خمس نجوم، فيما التظاهرات الرافعة شعارات الاصلاح السياسي وتحسين الخدمات العامة والحصة التموينية ومكافحة الارهاب والفساد المالي والاداري والفقر والبطالة والتقليل من امتيازات النواب وأمثالهم واطلاق سراح المعتقلين الابرياء، تعاملها القوات الأمنية بعدوانية، ودائماً بذريعة عدم الحصول على رخصة لا تمنحها وزارة الداخلية أبداً الا للتظاهرات الموالية.
لابدّ ان تظاهرة أمس قد مُنحت الترخيص، لكن مع هذا كان هناك أكثر من سبب قوي لمنع تنظيمها. من هذه الاسباب انها نُظِّمت ضد عمل يدخل في اطار حرية التعبير التي كفلها الدستور، والسبب الثاني انها تلت وترافقت مع عدوان ارهابي على الجهة التي خرجت التظاهرة للاحتجاج عليها. والسبب الثالث ان المتظاهرين الذين توفرت لهم كل وسائل الرفاه والدلال، كانوا يرددون شعارات ويحملون لافتات وصوراً تمجّد زعماء لدولة اجنبية فيما أناشيد التمجيد تشق عنان السماء. ومن المفترض الا تقبل الاجهزة الامنية ووزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة والحكومة بذلك، فهذا سيفتح باباً لن تُغلق.
كل دول الجوار لها محبون وأنصار وموالون في البلاد. ايران وتركيا وسوريا والاردن والسعودية والكويت.. هل، اذا ما نشرت غداً إحدى الصحف أو بثت إحدى محطات الاذاعة والتلفزيون مادة لا تعجب قيادات هذه الدول، سنسمح بانطلاق احتجاجات على غرار احتجاجات أمس والقاء المتفجرات وتهديد العاملين في الصحف بالقتل؟ هل سنقبل بان يُنظّم أنصار تركيا أو السعودية أو سوريا تظاهرات وتفجيرات وتهديدات كالتي جرت أمس اذا ما كتب أحدنا مقالاً أو بثّ برنامجاً لا يُرضي حكام تركيا والسعودية وانصارهم والموالون لهم في العراق؟
وين رايحين إذاً؟ . هل من مجيب؟
وين رايحين؟
[post-views]
نشر في: 10 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
فاروق ابراهيم
واضحه استاذ عدنان رايحيين الى الانحياز السافر الذي ستكون نتائجه هجمان بيوت الجميع دون استثناء
رمزي الحيدر
هذا هو إحدى صور الانحطاط الطائفي .
jaljam
وهل تظاهرة امس ياعور العين مثل تظاهرات السباب والشعارات الطائفية ونحن اتباع القاعدة والبنادق المرفوعة ولكن قيل من لايستحي يقول الاكاذيب
saham dawwod
استاذي العزيز العراق ليس بلدا كما نتوهم جميعا العراق الان محافظة من محافظات ايران وخير دليل لذلك ماجرى لصحيفة الصباح والذي تفضلت به من قيام خدم ايران بهذه التظاهرة اسفي عليك يابلدي