وقعت عيني اليوم على حكايتين، أولاهما في كتاب يتحدث عن الأساليب المبتكرة للشعوب في الاحتجاج على المستبدين، والتفنن في الإفلات من قمع الحكومات. ووجدت الحكاية الثانية في أمالي أبي علي القالي، تخص امرأة هددت ابنها بأن تنكح قاتل أبيه ان هو صفح ولم يثأر.
لقد قام ستيف كراوشو وجون جاكسون، بجمع حكايات مؤثرة من نحو ٢٠ بلداً، تحت عنوان "حركات ثورية"، تبرز إرادة الانسان للاستمرار في الحياة وانتزاع الحرية، رغم وجود حمقى كثيرين راكبين للدبابات او جالسين على العروش. ففي شباط ٨٢ كان شعب بولندا في ذروة احتجاجه على حكومته، وحين تزايد القمع، ابتكر سكان بلدة سويدنكان، طريقة للاحتجاج على السلطة، دوخت رجال الأمن. فقد اختاروا نشرة اخبار السابعة التي تركز على بث بيانات الحاكم، ورفضوا مشاهدتها بطريقة طريفة، فحين تحل السابعة مساء، يغادر السكان شققهم وينشغلون بالثرثرة في الشارع، ويضعون جهاز التلفزيون المطفأ في شباك الشقة، بحيث يعلنون انه مطفأ. اما البعض الآخر الأكثر جرأة، فكان يضع التلفاز في عربة الأطفال ويأخذه للنزهة، معلناً انه اطفأه ولن يستمع لأكاذيب السلطان. وسرعان ما انتشرت هذه الطريقة في كل بولندا، ودفعت كثيرين الى ابتكار اكثر الأساليب طرافة وإصراراً على انتقاد السلطة.
وفي بوسنة التسعينات حيث قتل ١٠٠ ألف نسمة خلال ٣ أعوام، كانت نساء ساراييفو يحرصن على مظهر متأنق رغم كل الجوع والحصار والموت ونيران القناصين، فأهل المدينة تفننوا في مقاومة الحرب الى درجة انهم وتحت نيران المدفعية، نظموا مباراة لاختيار ملكة جمال البوسنة، ورفعت الحسناوات لافتة كبيرة على صدورهن تقول: لا تسمحوا لهم بقتلنا!
ان العراقيين اليوم على صنفين. الاول يشبه أهل المدينة البولندية وسكان ساراييفو، يتفنن بأساليب الاحتجاج ومقاومة الغباء السياسي. اما الصنف الاخر فيسخر من هؤلاء ويروج لفكرة ان "المكتوب على الجبين، لازم تشوفه العين" داعيا إيانا الى القبول بالوضع السيئ والاستسلام له، والسباق بين الفريقين لم يحسم بعد.
اما أبو علي القالي فيذكر في أماليه ان رجلاً اسمه (هدبة)، قتل زيادة بن زيد، وكلاهما من قريش. فجاءت وساطات من العيار الثقيل لتحول دون الثأر، ولإقناع أهل القتيل بقبول الدية. ومن بين الوسطاء الداعين الى حقن الدم، الامام الحسين بن علي، وعمرو بن عثمان بن عفان، وسعيد بن العاص. وحين بدا ان (مسور)، ابن القتيل، قد اقتنع بوساطات الصلح، "نطّت" أمه وصاحت به: والله، لئن لم تقتل هدبة قاتل ابيك، لأنكحنه، فيكون قد قتل اباك، ثم نكح امك، وتصبح مسبّة بين العرب. فاستشاط الابن غضباً وقتل هدبة، واستمر الثأر بين الأحفاد الى ما شاء الله، بسبب تهديد الأم بأن تنكح قاتل الأب.
الأمر يذكرني بالعديد من حلفاء رئيس حكومتنا، الذين كنا نتمنى ان يكونوا له ناصحين، لكننا نجدهم مؤلبين يصبون الزيت على النار. وكلما حصل مسعى لتهدئة الأمور خارجياً او داخلياً، خرج نواب وساسة ليسفهوا الطرق السلمية، ويحشدوا للضرب بالسيوف والرماح. والنتيجة اننا لا نحن ضربنا بنجاح، ولا صالحنا بإحسان. وحين اسمعهم يعلقون على مبادرة التهدئة في الانبار، اشعر ان فريق رئيس الحكومة بدأ يدرك انما قيل حول "الحماس الشعبي" لصولة السلطان، والذي سيقلب موازين الخسارة في الانتخابات، قد بدأ يخفت ويتحول الى ملل من سماع اخبار "المعركة" ولن يصل مفعوله الى ٣٠ نيسان، ولذلك فهم يتخبطون في التصريحات غاضبين من عجزهم عن اقناع الناس بمشروع يستقطب الاصوات ويعوض خسارة بغداد والبصرة وسواهما. وهكذا فإن الغضب كما يبدو، دفع انصار المالكي الى تقليد ما فعلته ام المسور، حين هددت ابنها بأن تنكح هدبة قاتل أبيه، ان هو تماهل في الثأر وجنح الى السلم وأنصت الى نصيحة قريش. الله يستر.
من سينكح قاتل أبينا؟
[post-views]
نشر في: 10 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
فاروق ابراهيم
بتقديري ان حلفاء السلطان ان هددوا مثل ام مسور فسوف لن يحدتوا اثر مثل الاثر الذي فعله تهديد ام مسور لان سوف لن يوجد احد يرغب بهم او يشتهيهم خلاف ما كان يمكن ان يكون عليه الامر مع ام مسور
ناظم
كلامك مردود عليك أيها السيد الفاضل...فلا المالكي جنرال بولندا والعقب الحديديه تزرع الرعب في قلوب العامه....فالرجل لم يأتي بوصيه من الحزب ولا بأنقلاب عسكري بتوصيه من الجيش والرجل منتخب شعبيا من أهل بغداد بأكثر من٦٠٠ ألف من سكانها وتؤيده وتؤيد حكومته أكثر م
نبيل
حلوه مقال شيق جدا وفبه من العبر الكثيرة ولكن هيهات ان القلوب مليءة بالحقد ولم يعد مكان لصوت العقل المجتمع العربي مريض هستر مثل البقر بالشوب يصاب بالجنون
عهد الوارثين
اتذكر رواية للاامام الكاظم (ع) انها فى يوم من الايام كان هناك صائغ ذهب ارسل الحليفة فى طلبة وكلفة بصياغة جوهرة بخاتم هذ الصائغ اثناء العمل انكسرت الجوهرة الى قسمين هرب الصائع من بطش الخليفة ارسل الخليفة فى طلبة وعندما حضر الصائغ الى القصر كان هناك الا