سعد أحمد
عُرف عن صدام حسين قدرته الفائقة على تحويل الهزائم إلى انتصارات، ليس بمعزل عن خوف المحيطين به من استدراجهم إلى الاختلاف معه، أو مجرد ضعف الحماسة في التفاعل مع ما يراه. وقد تحقق ذلك له لأول مرة بعد عشر سنوات من ارتكابه جريمة قتل كان الضحية فيها قريبه المعلم في تكريت، ثم تكرر ذلك اثر قيادته منظمة حنين السرية التي صفّى بأدواتها البشرية الممسوخة، رفاق حزبه، ثم معارضيه. واستقام له الأمر كلياً بعد ان صار "السيد النائب" ثم "الرئيس القائد"، حيث انطلقت السلسلة المتصلة من المذابح والتصفيات والاغتيالات التي حولته إلى دراكيولا، لا يأتيه الباطل أينما ادار أسلحة جرائمه.
ومن ذلك الكم المتراكم من التاريخ الإجرامي، وما مكّنه له من إثارة الرعب والهلع في نفوس اقرب المقربين اليه، حتى آل بيته الأقربين، صار مطلق الحرية والإرادة في قيادة البلاد، وفي العبث بأقدار العراقيين ومصائرهم، فكانت سلسلة حروبه الداخلية ضد الشعب، والخارجية ضد الجيران العرب والمحيط الإقليمي، وما تيسر من "دونكيشوتياته" المغامرة في زمن القوة المفرطة في القدرة على استخدام النيران والتهديد بالأسلحة النووية.
في حربه مع إيران، قُتل وجُرح وأسر أكثر من مليون عراقي، وطارت من خزائن العراق كل عائداته النفطية الضخمة واحتياطياته من العملة الصعبة، ومن صندوق المستقبل وما اختُزن في باطن الأرض من ثروات، وهي التي تحولت إلى رهينة لتسديد مئات مليارات الدولارات. ثم توقفت الحرب، بلا تحقيق أي مطلب ممّا رفعه شعاراً يبرر شنّ الحرب، ومع ذلك هتف بنبرة القائد "الضرورة": لقد انتصرنا!
وفي احتلاله الكويت الشقيقة واندحار قواته في هزيمة مدوية أبكت العراقيين على جنودهم وضباطهم المغلوبين على أمرهم وهم ينحنون عند أقدام الجنود الأميركيين، لم يصبر صدام لينتظر توقف لهاث المنسحبين، فصاح: لقد انتصرنا!
وفي إبادته الآلاف في حشر انتفاضة آذار - شعبان، صاح على مرأى من مشهد الشهداء المذبوحين، والممزقين: لقد انتصرنا..!
كان مشهد ثنائية "الهزيمة - الانتصار" يتكرر طوال سنوات الخضوع لكوابيس سلطته المطلقة.
لم يكن صدام يعرف معنىً للهزيمة، فحروف هذه الكلمة لا وجود لها في قاموسه. منها، ينحت بعد كل هزيمة مشهداً مروعاً من الانتصار على جثامين الالاف ومئات الالاف من العراقيين والعراقيات، وعشرات مليارات الدولارات المبددة عبثاً، في طريق مجدٍ زائف للقائد الضرورة الذي انتهى إلى جحر لا يليق بحيوان أليف يختفي فيه وهو حي، وقبر ينبشه أبناء جلدته بعد أيام على دفنه في مسقط رأسه.
ما الذي يجعل من الهزيمة انتصاراً..؟ وما الذي يُغري بذلك غير الغرور وغطرسة السلطة المخادعة، والتيه في متاهات البحث عن دوامها والانغماس في مباذلها وملذاتها الفانية..؟
كان صدام جلاداً، طاغية، مجبولاً على ارتكاب الجريمة والكبائر، ركب السلطة على حوامل دبابة، وخاض في نهر من الدم العراقي المستباح، مبتدئاً في ٨ شباط 1963، ماراً بمتتاليات من القتل والسبي، وصولاً الى قصر الرئاسة فوق جثث قادة حزبه..
منذ أن تولى السيد المالكي السلطة، وهو ينتصر ويزحف على هامات معارضيه وحلفائه. يتخيل "العدو" متربصاً به من كل اتجاه، فيترصده ويباغته ويوقع به فينتصر عليه، وسرعان ما يصطفيه في حكومته، ليعلن انتصاره أيضاً، ولكن بالضربة القاضية هذه المرة ..!
لنستدرْ إلى الوراء، منذ أن تولى ولايته الأولى والثانية، ولنتابع صولاته ومسيرة انتصاراته. انها سلسلة لانهاية لها من الوعود والهزائم، انتهت إلى ما نحن عليه من موت يومي وخرائب وقلق على المستقبل المنظور.
لم يصغ الى صوت اقرب المقربين إليه، ومناشداتهم له بتقليب الأمور قبل اتخاذ قرارٍ مصيري، وقبول النصح المخلص: بالحوار والسياسة والامتثال لدعوات التعبئة الوطنية وتحقيق المطالب العادلة لأصحاب الحقوق، ومعالجة الأزمات والاحتقانات، ومحاربة الإرهاب وتجفيف مصادره، لا بتجييش العساكر وتنظيم صولات الموت المجاني، كما في الحويجة والرمادي والفلوجة.
من يعوّض القتلى والخسائر إذا فوجئنا في اي لحظة ان المالكي، يتراجع الى المربع الأول، ويقبل ما رفضه من نصح وحلٍ، لانهاء المعركة ووقف الصولات على جبهات القتال..؟
من سيواجهه بالقول: انك مهزومٌ في الحالتين، فمن يعوض خسائرنا.. من..؟
من أين هذه الجرأة على إدمان المغامرة بأرواحنا وأموالنا ومستقبلنا..؟!
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ستار العراقي
الظريف بنقاد نظام الفشل هذا أنهم يستهلون هجومهم عليه بالهجوم على نظام صدام ، يعني قبل أن أهاجم نظام الفشل لازم أقره المقتل ، فلاحظوا كيف أن ثلثي المقال ذهب صوب المقتل . لماذا يا كاتب المقال؟ أنا أقول لك لماذا ، لأنك تخاف أن تطمغ بكونك بعثي أو أو أو. أو
Ali Alsaffar
كم رائعة زرقة السماءوكم جميل نقد الكاتب الاديب سعد احمدوزملائه كتاب المدىالاخرين ,لأن نقدهم بناء ويعكس ضمير الشعب , ولما قالت العرب (على نفسهاجنت براقش ) فهذا لأن الشيء بالشيء يذكر / اوجه كلامي الى اخي المعلق ستار العراقي .
ستار العراقي
الأخ علي الصفار ، شكرا لإهتمامك ، لم أفهم قصدك والأرجح هو لقصور من جانبي ، للأنجليز مقولة مشهورة وهي spread the blame أي أن شئت أن تخفف من نقدك لفلان فوجه نقدك لعلتان معه ، في الواقع صرف الكاتب ثلثي كلامه للهجوم على النظام السابق ليكن بأستطاعته أن ينقد نظ