TOP

جريدة المدى > عام > بازوليني قال لنا: تفاؤلكما أكثر مأساويةً من تشاؤمي

بازوليني قال لنا: تفاؤلكما أكثر مأساويةً من تشاؤمي

نشر في: 12 فبراير, 2014: 09:01 م

يعد الأخوان "تافياني" من بين عمالقة السينما الإيطالية الكلاسيكية. وقد برزا حين كانا شابين في عصر روسلليني وبازوليني.  ويعدان برتولوتشي من بين معاصريهما؛ ولهما تأثير قوي على المخرجين الأصغر القادمين من الريف مثل "ناني موريتي". فازا عام 1977 بالسع

يعد الأخوان "تافياني" من بين عمالقة السينما الإيطالية الكلاسيكية. وقد برزا حين كانا شابين في عصر روسلليني وبازوليني.  ويعدان برتولوتشي من بين معاصريهما؛ ولهما تأثير قوي على المخرجين الأصغر القادمين من الريف مثل "ناني موريتي". فازا عام 1977 بالسعفة الذهبية في كان عن فيلهما "الأب والأستاذ Padre Pardone  " وهو رحلة ريفية شاقة صورت بفنتازيا ومسرحة قابلتين للتحول. يبدأ الفيلم بابن فلاح من سردينيا يعتمد الفيلم على يومياته يقدم دعماً إلى الممثل الذي سيؤدي دوره؛ ومشهد آخر يسمح لنا بالوصول إلى المونولوج الداخلي لمعزى  يمارس الصبي معها الجنس ("سوف أتبرز على حليبك!"). ويستمر هذا العبث واللعب في فيلم "ليلة الشهب" – 1982 وهو حكاية خرافية في وقت الحرب وفيلم " كاوس"-1984 المعد عن مسرحية لبيراندلو و فيلم "صباح الخير يا بابل"-1987 حول مصممي ديكور يعملون لمصلحة المخرج  د.و. غريفث (المعروف بفيلم "التعصب" و"مولد أمة"-م).
وبعد عقدين من التغاضي أو الهجوع يعود"باولو"-82 سنة، و"فيتوريو"-83 بفيلم " قيصر يجب أن يموت Cesare Deve Morire" وهو دراسة محكمة حميمة للتحضيرات لمسرحية "يوليوس قيصر". تعرض المسرحية على سجن "ربيبيا" في روما من قبل لصوص متمرسين بعضهم أفراد سابقون في المافيا ومن قتلة منظمة "كامورا". النغمة حادة لكنها غير صاخبة أما التصوير فأغلبه بالأبيض والأسود. يقول فيتوريو:" كل شيء في الفيلم لا علاقة له بشكسبير كان قصة حقيقية أخبرنا بها نزلاء السجن. كل شيء كان أداءً. كل شيء كان مكتوباً في سيناريو. إنه فيلم. فيلم فريد، نعم لكنه ما يزال فيلماً". وما جعل الفيلم كبيراً ومعترفاً به منح المخرج مايك لي ولجنة الحكام جائزة راقية له في مهرجان برلين السينمائي السنة الماضية.
يتفق المتعاونون معهما على أن الأخوين تافياني يخرجان الأفلام كونهما شخصاً واحداً،و من المرجح أن الأمر لا يهم كون "فيتوريو" قد جاء لندن دون أخيه. وكان "مارسيلو ماستروياني"، الذي عمل معهما في فيلم "ألونسانفان"- 1974، يشير إلى كلا الرجلين بشكل فردي كونهما "باولوفيتوريو". وبعد أن ُسئل في نهاية التصوير كيف يبدو الأمر حين تأخذ الإرشاد من مخرجين اثنين أجاب الممثل:" هل كان هناك اثنان ؟". يوضح فيتوريو الأمر لي:" لدينا شخصيتان مختلفتان لكن من الطبيعة نفسها. اختياراتنا في الحياة والفن نفسها" ينحني ويرفع أصبعه تحذيراً:" على الرغم من أننا لدينا زوجتين مختلفتين". ويعقبها بضحكة مطقطقة جافة مثل صوت خشخشة  طفل بجيبه المليء بالحصى. شاربه وحاجباه يشبهان فايبركلاس أبيض لامع خشن قصير. ياقتا قميصه مؤطرتان بمنديل رقبة مزررة بينما قبعة زرقاء مدفوعة إلى الوراء على رأسه. على الرغم من أن عينيه مخفيتان تحت نظارتين ملونتين بالبرتقالي الفاتح إلا أني أقنعت نفسي بشكل متعاطف بأني أستطيع أن أراهما مشرقتين.يتم تقاسم العمل في موقع التصوير بالتساوي إذ يأخذ كل أخ العنان في تنظيم متبادل للكاميرا. وإذا ما كان ثمة عدد مفرد لهما في اليوم فإنهما سوف يرميان قطعة نقود. إن الديناميكية بين الأخوة الآخرين يسحرهما. ويستذكر "فيتوريو":" قبل عدة سنوات التقينا الأخوين كوين وسألناهما:"كيف تعملان معاً؟" فإجابا:" كلا. أنتما بدأتا هذا الأمر برمته اخبرانا أنتم". لكن اتفقنا أربعتنا على أن يبقى الأمر سرّا". للسينما أصولها في الأخوين الثنائيين أشرت إلى ذلك:" نعم. وفي بداية مهنتنا كتب ناقد شرير بأن السينما بدأت مع الأخوان لومييه وسوف تموت بموت الأخوين تافياني".ذلك الناقد هو ميت الآن. إن سينما الأخوين تافياني مع ذلك مزدهرة وفيتوريو في قمة نشاطه حين يناقش فيلم "قيصر يجب أن يموت". أخبر ستانسلافسكي ممثليه كي يعيشوا شخصياتهم لكن هذا كان مجرد تمرين عقلي. بالنسبة للنزلاء فهم لا يحتاجون إلى استعمال خيالهم: فهي على ما يرام هناك. فهم ليسوا أفضل الممثلين في العالم. لكن إذا ما كنت تمتلك خلفية فأنت محكوم على أن تعطي نوعاً مختلفاً من الأداء. أحياناً بمستطاعنا أن ننظر في أعين النزلاء حين كنا نمثل ونرى تلك الأعين التي شهدت الجريمة في الحياة الحقيقية. ثم مرة أخرى حين ينتهي الأداء فإن النزلاء يمرون بلحظات من المتعة القصوى. ومن وراء الكاميرا، رأيناهم مثل الأطفال الذين كانوا مرة يهتفون ويقفزون. وبنفس الطريقة نحن نكره كل ما فعلته المافيا و"الكامورا" وما إليها. كيف يمكن لنا أن نضع تلك العواطف الغريبة على حدٍّ سواء معاً؟ ما نزال لا نعرف كيف نحل ذلك".
لقد قال الأخوان تافياني سابقاً بأننا يجب دائماً أن نتذكر أننا جزء من الطبيعة. وذلك سهل بما يكفي في المشاهد الريفية في فيلم "الأب والأستاذ " و"ليلة الشهب" لكن كيف يتسنى لهذا أن يعلن نفسه ضمن الجدران الكونكريتية لفيلم "قيصر يجب أن يموت" أو فيلمهما الذي يدور حول السجن بعنوان "القديس مايكل عنده ديك"؟ يبتسم فيتوريو قائلاً:" حسناً. بقدر ما نحب ونحترم الفرد فإن علاقته مع سعة الطبيعة هي التي تكـّون ذلك التوتر الذي هو ربما جوهر وجودنا الإنساني. لكن بالنسبة للنزلاء المحرومين من علاقتهم مع الطبيعة، فإن العلاقة الوحيدة لديهم هو شيء أكبر من أنفسنا ألا وهو موتهم. الجزء الأكبر من الطبيعة التي يشعروا بعلاقة أقوى معها هو الزمن. وزمنهم هو إدانتهم. إنهم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء إزاءه – إنهم بلا قوة. إن الزمن هو صوت الطبيعة".
أخبرته باقتباس له مرة أخرى:" في كل فيلم تصنعه هناك دائماً صفحة أو اثنتان من السيرة الذاتية ". فأين هي في فيلم "قيصر يجب أن يموت"؟ وبدأت الحصى تخشخش مرة أخرى بينما هو يضحك مع نفسه:" يجب أن أعطي ملاحظة:" لا تصرح باقتباس لا تستطيع أن تبرهن عليه". ثم أضاف:" إن الفيلم هو سيرة ذاتية بمعنى أنه يثبت لحظة في الزمن. إذا ما انخرطنا في مشروع معين فلكي نجيب عن أسئلة طرحناها على أنفسنا في تلك النقطة. إن ما يقفز إلى أذهاننا ،نحن الإيطاليين، هي الحالة المؤلمة التي يمرّ بها بلدنا".
ربما كان الأخوان تافياني "جذابين" خلال حياتهما العملية، لكن علاقتهما المفعمة في المراهقة تستدعي إلى الذهن قولاً مثيراً من موطنهما في توسكاني: "فراتلي، كولتلي" (أو:"أخوان، سكاكين"). بعد أن قضى طفولة سعيدة في "سان مينياتو" فإن حب "فيتورو" لبابلو فسد حين كان لدى أخيه الطفل الطيش الذي جعله ينمو ليصل إلى طوله."ذلك شيء لا يغتفر. كانت هناك فترة خلال المراهقة حين كنا نأمل من الآخر أنه سيموت في حادث سيارة. اعتدت كتابة المسرحيات التي كانت تحتوي على أخوين أحداهما مثالي والآخر شرير". وكانت تجربة في العيش خلال الحرب العالمية الثانية ،كما يقول، جعلتهما أكثر قرباً- وبشكل جيد كما كان حبهما للفيلم. وبعد فترة قصيرة من الحرب تجولا داخل صالة السينما التي كانت تعرض فيلم "بيزا" وهو الفيلم الواقعي الجديد لروسلليني الذي يدور حول تحرير الحلفاء لإيطاليا. "كانت صدمة في حياتنا، ويا له من تحسن، لأننا راقبنا مأساتنا الخاصة التي كنا نعيشها من حلال إعادة تمثيلها على الشاشة. وبرؤيته فهمنا بشكل جيد الأزمان التي كنا نعيش خلالها".
التخلي عن السينما، عرفا بأن ذلك كان اللغة التي يريدا أن يتكلما بها. وقد أخذا على نفسيهما عهداً: إذا لم يصنعا أفلامهما في غضون عقد فإنهما سيشتريان بندقية ويقتلان أنفسهما :"ولم يقرر بعد من هو الأول الذي سوف يقتل نفسه". يقول فيتوروا وكأنّ الفكرة طرأت في باله الآن.  
إنها صورة قلمية موجزة للأخوين تافياني: فظاعة الحرب التي يلطفها تجلي الفن والوعد المتكلف "السينما أو الموت!" الذي ينبثق عن طريق انتحار مزدوج عملي والمزج المشترك للقسوة مع الأمل. يخبرني فيتوريو عن بازوليني حين عرض عرضاً خاصاً لإحدى أفلام الأخوين كي يتخلى فيما بعد عن تحميل التعبير القاتم. وفي لقاءات اجتماعية متتالية احتجّ بازوليني على الأخوين لمنظورهما المتفائل.يقول" أخبرنا بيير باولو بازوليني:" تفاؤلكما أكثر مأساوية من تشاؤمي". وبعد عدة أيام كان ميتاً. بالنسبة لنا "التفاؤل" كان كلمة خاطئة. إنها تلك الشركة الصغيرة من الأمل أو العقل التي تهمنا. قد يكون العيش مأساوياً لكن الحياة ليست كذلك".
 عن: الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram