TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المثقفون الليبراليون العرب الجدد

المثقفون الليبراليون العرب الجدد

نشر في: 14 فبراير, 2014: 09:01 م

ثمة تبديل مقصود اليوم لمعاني الأشياء، في الثقافة والسياسة كليهما. التيّار القويّ اليوم، ساخر متهكّم من "العلمانية" و"الممانعة و"المقاومة" و"نظرية المؤامرة" ويشكّ بوجود "الطائفية" إلا في أذهاننا المريضة، ويُحيِّد "إسرائيل" ويُزكِّي "الرجعيات العربية" الراسخة في وعيها وممارساتها، ما الذي يبقى بعد ذلك؟. يقال لنا إن الأمر متعلق بـ "ليبراليين" عرب، مخلصين لليبراليتهم. وهو أمر مشكوك به قليلاً، إذ على الفور يمكن لشريحة ثقافية عريضة أخرى أن تتساءل: ألا يستطيع (الليبراليون العرب الجدد) أن يقاموا الأحزاب الفاشية الدموية والقومانية والسلفية وأن يكونوا في نفس الوقت مع "العلمانية" و"الممانعة و"المقاومة" ولا يستخفوا بـ "الرجعية" أو يشكوا بوجود "الطائفية"، ولا يُحيِّدوا "إسرائيل" أو يزكّوا "الفضائيات العربية"، هذا سؤال حاسم.
ثم توجد فكرة "الشرعية" و"الانتخابات" و"الديمقراطية" التي بلبلت الأذهان الثقافية الليبرالية في بلدين عربيين في الأقلّ، تونس ومصر، بسبب فوز الأحزاب الدينية فيهما. وفيهما شهدنا مواقف في غاية التناقض والمفارَقة. بالنسبة للذين وقفوا طوال حياتهم وما زالوا ضد أيديولوجية الأحزاب السلفية، بكل الوسائل الفكرية والثقافية، وحتى السياسية، يبدو أمر "الديمقراطية" شيئاً آخر، ولا تُفهم "الشرعية" على أنها صك على بياض، بل هي توكيل يعطيه شخص لغيره ليقوم على شؤونه ومن حقه أن يسحبه متى لاحظ أن هذا الذي وكّله غير أمين و لم يعد يستحق ثقته. الخاسرون في أي انتخابات لم يعطوا أصلاً للفائز صكاً: لقد صوتوا ضده!.
ثم الفارق بين "الإعلاميٌّ" و"التحريضيٌّ" اللذين يخلِّط بينهما الليبراليون العرب الجدد أيما تخليط، بل يسعى بعضهم في إدماج المثقف والشاعر بإطارهما المُلتبِس. نعم، الشاعر في قلب المشكلات الكبيرة لعصره، نعم، يتخذ موقفاً إنسانياً وأخلاقياً من المشكلات الجوهرية، لكنه ليس إعلامياً ولا تحريضيا يشتغل لحساب جهة أو دولة أو طرف من أطراف الصراعات. ظهر مسعى هذا الإدماج بشكله القويّ الصريح في المراحل الحاسمة من الصراع السوريّ، ولدى العديد من المثقفين "الليبراليين" السوريين الذين اندفع بعضهم من أقصى المواقف إلى أقصاها دون انتباه. بدا المثقفون العراقيون أكثر تبصُّراً بشان سوريا. فقد عرف الجميع منذ البدء أن غالبية المثقفين العراقيين لم يذهبوا باتجاه الحماسة نفسها التي ركض لها أقرانهم العرب. لقد جرّبوا (اللعبة) نفسها، والتوتر نفسه، وكانت توجد لدى بعضهم الرغبة نفسها (دون إدراك مسؤول عن مآل الأمور لاحقاً) باستدعاء العالم لإسقاط نظام صدام حسين بأي ثمن، ثم اكتشفوا بعد ذلك فقط الخلل في ذاك التوتر وتلك الرغبة المنفلتة. اليوم، اليوم فحسب تظهر عليهم علائم الحكمة بشأن المسار الذي يمكن أن تتخذه الأمور. وكالعادة لا أحد يُصْغي لصوت الحكمة المبحوح.
في اللحظة الحالية التي نكتب بها، فإن مواقف بعض المثقفين "الليبراليين" العرب من داعش والغبراء، وصنائع القاعدة، تمثل كارثة ثقافية، ليس فقط عبر التجاهل وقتاً طويلاً لها، بل في عدم الرغبة تلك وغياب الإرادة بإدراك أن الصراع مرتبط بالعراق ولبنان وجهات إقليمية وعربية.. وتكفيرية. من يعرف، يلوذ بالصمت لكي لا يُتّهم بالخروج عن الجادة المستقيمة المرسومة.
أما عناصر الصراعات وأدواتها فقد ظهر جلياً أن الوعي "الليبرالي" الجديد يعاني من الحَوَل، وهو لا يستطيع رؤية إلا العناصر التي يختارها اختياراً وعمداً، وهنا يتطابق المثقفون الليبراليون العراقيون الجدد مع بعض المثقفين الليبراليين السوريين الجدد تماماً، ذلك أنهم يدينون طرفا واحدا ويغضّون النظر عن أطراف أخرى: يدين‏ البعض العراقيّ الأحزاب الدينية المهيمنة، ولا يدين سلفية القاعدة وأئمة السوء الرسميين في مكان آخر. البعض السوريّ يدين حزب الله بأقسى العبارات ويُخفّف من لهجته إزاء النصرة والقاعدة وتوابعهما. في هذا المنطق الليبراليّ المُسْتحدَث التلفيقيّ، يُوافِق شنّ طبقه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram