أتساءل مع نفسي دائماً حول لوحة ( جورنيكا ) وعن الذي رسمها بالفعل ، هل هو بيكاسو ، الرسام الإسباني الشهير أم هو فرانكو ، الدكتاتور الإسباني المعروف ، هل رسمها بيكاسو حين وضع ألوانه على قماشة الرسم أم رسمها فرانكو عندما قصف قرية جورنيكا الهادئة بكل وحشية وعنف ؟ ربما يبدو السؤال ساذجاً والجميع يعرف أن جورنيكا هي لوحة بيكاسو ، لكني أردت فقط أن أنظر إلى الأعمال الفنية التي تتعلق بالحرب من منطق آخر يتعلق بأهمية وجدوى وجودها الذي يتعلق بدخان الحروب أو يتعكز عليه . فالكثير من الأعمال الفنية التي تناولت الحروب أو المواضيع الكبيرة ، بقي مع الوقت تأثيرها الشكلي والجمالي فقط هو المؤثر ، لأن الموضوعات مهما كانت كبيرة وهائلة ، فهي لا تصمد كثيراً أمام التقنيات والمعالجات والوسائط التي يجتهد الفنان في التوصل إليها من خلال أعماله الفنية ، ونحن لم نر موضوعاً أو حدثاً ما قد تسبب في ظهور مدرسة أو تيار فني ، بل إن التقنيات والمعالجات هي التي فعلت أو أنتجت ذلك بشكل مباشر . وإذا نظرنا إلى الحروب ، فهناك الكثير من اللوحات والمنحوتات والقطع الفنية في العالم قد تناولت أحداثها وقسوتها ، ومع ذلك لم يبق من غالبيتها سوى الجانب التقني والتأريخي ، لأن الحرب في كل مرة تذهب بعيداً وتنبت مكانها زهور السلام . بشكل شخصي أرى أن الكتب تسجل الحروب والأحداث الكبيرة أكثر من اللوحات أو الأعمال الفنية التي تهتم بالجانب التقني ومعالجة السطوح أكثر من المعلومة نفسها ، وهناك أمثلة في أماكن كثيرة على ذلك ، مثل جداريات دييغو ريفيرا العظيمة وباقي المكسيكيين الكبار التي نتمتع بقيمتها الجمالية الآن فقط بعيداً عن مشاكل المكسيك التي كانت ، أو حتى لوحات ريبين أو الرسامين الواقعيين الروس الذين رسموا الحرب لا تشذ عن هذه القاعدة .
لا يخلو الفن العراقي بطبيعة الحال من فنانين تناولوا موضوع الحرب بشكل أو آخر في أعمالهم ، وسأختار هنا نموذجين ، هما ملحمة الشهيد للفنان كاظم حيدر التي تتعلق بموضوعة (الحرب ) أو الشهادة حين رسم واقعة الطف ، وهنا قدّم كاظم حيدر موضوعاً ملحمياً بتقنية وإخراج جديد وأعطى للحدث أو الموضوع صبغة تشكيلية بأسلوب مهم ومؤثر مزج فيه حتى رؤيته في التصميم المسرحي ، وقد استلهم منه في ما بعد وتأثر به الكثير من الفنانين ، مثل عامر العبيدي بخيوله المعروفة ، كذلك جماعة الأكاديميين . والنموذج الثاني هو العمل النحتي الذي قدمه مؤخراً الفنان أحمد البحراني وعرض في ميامي ، وهنا نرى عملاً نحتياً نفذ بطريقة واقعية لكنه يحمل بين طياته رمزية عالية ، وقد قلب البحراني المعادلة ( مثلما فعلها الفنان بانكسي بطريقة لاذعة ) بحيث جعل أسلحة القتل في أيدي أشخاص هم في الحقيقة دعاة الجمال والسلم والمحبة والمساواة ، وهنا تحدث الصدمة التي أرادها الفنان . هي مجازفة كبيرة بالتأكيد لتقبّل هكذا معادلة ، لكن الفن هو بطبيعته يحمل ويتحمّل دائماً المغامرة والخروج على المألوف ، وهنا كان الفنان يصارع قلقه الفني ويتجاوز كل العقبات ، كمن يسير على حبل مشدود ، ليصل إلى ميامي ويؤثر على الآخرين بخطوته المتفردة كفنان متمكن من أدواته . لا أعرف ماذا سيكون تأثير هذا العمل بعد عشرين عاماً ؟ هو ضربة احتجاج واضحة ومباشرة ، لكن كيف نفكر أو بالأحرى كيف يفكر الفنان بجعله ناجحاً للعرض الدائم . هنا نتساءل حول تأثير هذا العمل الضخم حين يعرض في ساحة عامة بشكل ثابت ، كيف سيتعاطف الناس بشكل يومي مع هذه الشخصيات المتفردة في دعمها للسلام والمحبة وهي تحمل القنابل والعتاد والبنادق . عمل البحراني الجريء هذا برأيي الشخصي ، مكانه الطبيعي هو أحد المتاحف . لكن هذه التساؤلات سيحددها الزمن ، وتحدده القيمة الفنية لهكذا أعمال فيها الكثير من الجرأة والمغامرة .
هل بيكاسو هو الذي رسم جورنيكا حقاً ؟
[post-views]
نشر في: 14 فبراير, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
ابراهيم الخليفة
مقال جميل..اخ ستار دائما السياسيون يصنعون الحدث المرتبط بالمأساة،ليكون موضوعة جاهزة لتعبير الفنان او الاديب .ويكون منجز فني او ادبي.لكن الغريب ياتون غيرهم من السياسيين ليقموا ,تخليدا لمأسي ما خلفو الذين قبلهم،والفنان هو حلقة الوصل بين السياسي وفعله المتهو
Jalal Alwan
رائع ستار موضوع جميل جدا مدخل جميل في المقارنة واسلوب ساحر
ابو اثير
فلجونيكا .. أسم للوحة مطلوب رسمها من قبل الرسامين العراقيين بألذات لتخلد كشقيقتها مدينة جيرونيكا الأسبانية التي رسمها الفنان العالمي بيكاسو والتي خلدت الفنان العالمي وليس هو الذي خلدها بأسمه الذائع السيط ..فمايجري ألآن في مدينة الفلوجة الثائرة على الظلم و