بات واضحاً أنّ أجواء المفاوضات في جنيف الثاني ليست إيجابية، ما يعني انتفاء الحاجة إلى جولة ثالثة، ما لم يضغط راعيا المؤتمر على طرفي الصراع، لتقديم التنازلات المطلوبة، وليس سراً أن اجتماع وكيلة الخارجية الأميركية مع الأخضر الإبراهيمي والوفد الروسي، لم يكن ناجحاً، وهي أعلنت أن الروس لا يريدون انهيار المحادثات، لكنهم يرفضون تقديم أي تنازلات حتى الآن، ويبدو أن جهد موسكو، ينصب الآن على محاولة تبييض وجه وفد النظام، وهو يسعى لنسف المؤتمر وتحميل المعارضة المسؤولية، والسعي لتحسين صورة روسيا، المُتبرعة بحماية نظام الأسد وتبرير مذابحه، وصولاً إلى تلاعبه ومناوراته لنسف قضية الممرات الإنسانية، التي تستهدف إنقاذ مواطنين أبرياء، وقعوا بين مطرقة النظام وسندان داعش والذين معها.
يناور النظام في المساحات الخطأ، فهو كان زعم أن وفد الائتلاف رفض البحث في موضوع الإرهاب، لكنه بعد قليل وجد نفسه مُجبراً على الاعتراف، بأن المعارضة اقترحت طرد المقاتلين الأجانب من البلاد، ما يعني أن الوثيقة التي قدمها وفد الائتلاف، تدعو إلى طرد الإرهابيين من سوريا، والموفد الروسي يناور أيضاً، حين يدعو إلى تعويم اقتراح التوازي في بحث النقاط، بعدما أصر وفد النظام على البدء بموضوع الإرهاب، زاعماً ان المعارضة ترفض الأمر لأنها إرهابية، غير أن اللافت قوله بضرورة البحث في مستقبل سوريا، مُتجاوزاً وصف وزير خارجيته للقرار المتعلق بالممرات الآمنة، بأنه معزول عن الواقع، وفهم البعض هذه الإشارة، بأنها تسليم ضمني بحتمية التغيير، الذي تتمسك به المعارضة وتدعمه واشنطن، التي تؤكد أنّ الأولوية هي لحماية أرواح السوريين وعدم تجويعهم.
في المأساة السورية، يشعر الواحد منا بضرورة الانحياز إلى المواطن السوري وحده، وليس لطرفي الصراع، كما تفعل بعض الأطراف الدولية، التي تتبنى مواقف رمادية، بينما يستمر شلال الدم متدفقاً، رغم أن واشنطن مثلاً، كانت تعلن أنه من غير الوارد السماح للأسد بقتل شعبه، حينها كان عدد الضحايا بحدود الأربعين ألفاً، وهو اليوم يزيد بمائة ألف على ذلك، بينما إدارة أوباما تتخبط في مواقفها، وباريس كانت تهدد بعمل عسكري، لإنقاذ السوريين من آلة الذبح، لكنها تراجعت صاغرة، عندما اختصرت واشنطن المعضلة على يد كيري، بتدمير سلاح الأسد الكيماوي، ثم أتت مهزلة أو مأساة جنيف الثاني، حيث يتفاوض وفدان لا يملكان حق اتخاذ القرار، الذي ما يزال بيد القوتين الراعيتين للمؤتمر، وهما تسعيان من خلاله لحل الكثير من المسائل العالقة بينهما، دون أي احترام أو اكتراث لدماء السوريين.
يرى البعض أن جنيف الثاني، ليس أكثر من خُبث روسي انطلى على الأميركيين، وهدفه محادثات عقيمة لا نتائج لها، غير السماح لقوات الأسد، المدعومة من إيران وحزب الله بسحق معارضيه، دون تقديم أي تنازلات لشعبه، فمحادثات اليوم المتعثرة، كان يجب أن تُبنى على مقررات جنيف الأول، القائلة بتشكيل هيئة حكم انتقالية تتولى إدارة التغيير، غير أن الواقع يؤكد أن ما يجري، ليس أكثر من عبث يغطي خطط موسكو وطهران في حماية النظام وشد أزره، حتى لو كان الثمن التضحية برأس الأسد على يد بعض ضباطه، أو تأمين منفى مريح وباذخ له ولعائلته عند واحدة منهما.
المهم أن عدم انهيار جنيف الثاني بيد الروس والأميركيين، ووفدا النظام والمعارضة ليسا غير أداة تنفيذية، والسؤال لماذا لا ينخرط الأميركيون والروس ومعهم الإيرانيون في التفاوض مباشرة، وإراحتنا من متابعة الملهاة المؤسفة في جنيف، حيث يشتد التنافس على نجومية الفضائيات؟
جنيف والانهيار المؤكد
[post-views]
نشر في: 14 فبراير, 2014: 09:01 م