لا أعترف بها جميعا ، لا أنتمي لطائفة ولا حزب ولا عشيرة ، عشيرتي الكلمات والزمن والمحبة، طائفتي العشاق و الموسيقى ،حزبي البساتين والأفق والمزن المباغتة ، كبّلني أبي بلقب أكرهه ، أمي ورطتني بالأنوثة وتعاليم النساء لاجترار الألم ، قيدوني بين المرايا والغيوم ودمغوني بالصمت :استأصلوا بعض حبال الصوت وأبقوا ما يكفي للبكاء وقول نعم ، صنعوا من الصبية هيئة مسخاً على شاكلة أهوائهم ، جاء جدّي فعلّمني المروق ، اختطفني منهم وألقى بي في قارب من كتب وأساطير وحكايات ، قالت لي الكتب : كوني أنت ولا تصدقي أحدا منهم ومنا ، انسي أمك وأباك وأسماءنا وامضي في طرق لا يستدلون فيها عليك ، فتعلمت ان أقيم في المخيلة فلا يسع أحد العثور علي ، انتشلتني قصصي من ورطتي بهم وبنفسي ، حررتني الحكايا من الأب والأم والعشيرة والصمت وألقت بي عند مفترق النجاة من خديعتي بالوصايا وبهجة الإفاقة منها ، و ها أنا أقف حرة على حطام قيودهم : بين قوس قزح النصوص ولسعة الحرية ..
لم أعترف بهم يوما : عشائر وطوائف وأحزابا ولطالما اعتبرني البعض من هؤلاء وأولئك من ضمن حشودهم ,حصروا اسمي بين قوسي الاستحواذ وحسبني مؤدلجون كثر على لائحة القطيع ،وكل ينسبني إلى هواه، وما كنت لأتحمل وطأة التلقين فكنت أحتكم للعقل والحدس و أتململ وجعا وأتساءل : ألا يمكن للمرء أن يكون حراً في هذه الدنيا الغاصبة المغتصبة ؟
كنت أتحايل على كل منظومة مفاهيمهم المحنطة وأنجو دوما من قسر الأدلجة وأفلت من أغلالها ، مستعذبة لذة غربتي واغترابي وعوزي وخروجي عن سراطهم الفولاذي ونصوص التكريس وتسييس الزمن وتطييف المعنى ..
لطالما أغرقوني باللوم والذم والهجاء لخروجي على تعاليم الجموع التي يفرضها مجتمع مرتبك بلا رؤية عقلانية و خاضع للقبيلة والطائفة والأيديولوجيا ولطالما واجهت العنت واختنقت خطواتي في حرير الفخاخ،غير أني مزقت الشرانق وحلقت طليقة في الأزمنة أقنص مايروق لي من الأفكار والحكايا وأكتب عن روح الإنسان المسروقة .
نقضت مألوف ما درج عليه الآخرون مما يعدونه سراطا للحياة وقشرت عن جسدي حراشف القبيلة و رمال الطائفة ونسيج العناكب السامة الذي يكبل الجميع بقانون المغالبة وانطلقت فرِحة أتعثر بالأعراف المتهاوية ونكساتي.
رسخت غربتي بين الغزاة وباعة الأكفان وثقافة الغلبة والتغالب ،منعتقة من كل ما حولي متشبثة بخلاص الروح التي تترحل في مدى عرفاني لا نهائي وأنا أحمل جعبة أخطائي وأحلامي وأهوائي وكلماتي وهي جل ما أملك من متاع الحياة.
ما ضَرّ الآخرين- لو كانوا قد مروا بحياتنا دون ان يقسرونا ويقولبوا حياتنا ؟ حينها كان لعالمنا أن يزدهر بملايين الحيوات الإنسانية الحرة الفاعلة .
يصف "لاوتسو" الأسلاف في إحدى قصائده الطاوية :
الأسلاف الذين عرفوا الحياة وفقا للطبيعة الحقة والكمال ، كانوا لطفاء ذوي مرونة، يصعب فهم غموضهم ... لم يتعجلوا لخوض جدول متجمد في بواكير الشتاء،
انزووا مترددين دون مباهاة إذ يغشاهم الخجل
كانوا مهذبين مع الجميع كأنهم في حضرة ضيوف الشرف
لم يفرضوا آراءهم على أحد، لم يتدخلوا في أمور العالم ، كانوا كالغرباء المسافرين..
بسطاء حميمين مثل شجرة بتولا ...متفهمين لا متحيزين،أضفوا الحنان على كل شيء، كنبع ماء منحدر من الأعالي .
فلماذا لا يشبه أسلافنا نبعاً أو ديمة مطر أو فيء شجرة نستظل به من وجع الزمان ؟
أعترف بأني:لا أعترف بالعشيرة والطائفة والأيديولوجيات
[post-views]
نشر في: 15 فبراير, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
سوسن الخزاعى
الفاضله الكاتبه لطفيه الدليمى تحيه طيبه قرات مقالتك وهزت مشاعرى وكاننى امامك اروى لك مسيرتى مع الايام وكل انثى فى بلادى انا وانت نعرف ما نحن وما نريد وكيف نرفض وكيف نقبل يقولون عنا تحررنا لكن السبايا والعبيد والمعتقلات كثيرات والسجان واحد الرجل والتقالي
سميرة الوردي
كما عهدتك ، نفس المغزل يُحيك شاشا لجروح عصت على الإلتئام ، نفس اللغة الرقيقة التي تنسينا مرارة الأيام ، تسقينا عسلا رغم مرارتها .
سميرة الوردي
1161