يمكن الجزم باليقين القاطع بأن ثقافة الحرب وإقتصاد الحرب وطغيان فارضي العولمة، قد أصيبت جميعا بالفشل الذريع وتسببت في المعاناة والجوع والفقر المدقع والتقويض الاجتماعي، وهو ما يحتم «بداية جديدة» الآن وما زال العالم في مستهل القرن الجديد والألفية الجديدة.
فلطالما هيمنت القوة والإكراه والعنف والمواجهات الحربية، إلى حد يبدو فيه التاريخ منحصرا في سلسلة لا تنتهي من المعارك والنزاعات، حيث يظهر السلام مجرد فاصل. وهكذا تتابعت القرون الواحد تلو الآخر، وتخللتها محاولات وامضة خاطفة للتحرر من هذا الثقل الرهيب. لقد جرفت البشرية نحو مواجهات دامية جراء تربيتها على ممارسات القوة، وتطوعها على الإنصياع لأحكام الأقوى، وتدريبها على استخدام العضلات أكثر منها الذهن والعقل. كما اعتادت البشرية على العداء بدلا من التآخي، فلم تنظر إلى الغير، قريبا كان أم بعيدا، كشقيق تشاركه نفس المصير، وإنما كغريم وعدو يجب القضاء عليه وإفنائه. وهكذا بني الماضي على أساس سلسلة لا تنتهي من المواجهات والهجوم والإنتقام والعداء والعنف البدني والروحي. لكن من حسن الحظ، ثمة تاريخ مواز وغير منظور، تبنيه يوما بعد يوم سمات الكرم والسخاء والابتكار التي تميز البشرية. تاريخ فريد من نوعه، ثابت، دائم، شيد على أكتاف العديد من المثابرين علي بناء صرح السلام كمهمة مستمرة ثابتة. لقد ذكر ماهتما غاندي بأنه «لو توجد طرق نحو السلام، فالسلام هو الطريق». طريق تنوره المبادئ والقيم، والعدل في المقام الأول. السلام هو البذرة والثمرة. ولابد من تحديد أسباب النزاعات لتحاشيها. فالتحاشي هو النصر الأعظم. كما تذكر منظمة الأمم المتحدة (يونسكو) المنوط بها بناء السلام عبر التربية والعلم والثقافة، تذكر في ميثاقها بمباديء الديمقراطية، العدالة والحرية والمساواة والتضامن، التي يجب أن تنور مرحلة الإنتقال من ثقافة العنف والحرب، إلى ثقافة الحوار والتوافق. وهكذا انطلق منها برنامج «نحو ثقافة السلام» الذي تمت الموافقة، في سبتمبر 1999، على بيانه وبرنامج عمله اللذين ينصان على أن ثقافة السلام، هي مجموعة من القيم والمواقف والتصرفات التي تبلور إحترام الحياة والكائن البشري وكرامته. وتنص خطة العمل على التدابير الخاصة بالتربية والمساواة بين الرجل والمرأة والتنمية وحرية التعبير.. التي يجب أن تتخذ وتنفذ للإنتقال من القوة إلى الكلمة، وهي: الترويج للتربية على السلام، وحقوق الإنسان والديمقراطية، والتسامح، والتفاهم المتبادل القومي والدولي، مكافحة كافة أنواع التمييز والتفرقة، والترويج للمبادىء والممارسات الديمقراطية في جميع مجالات المجتمع، ومكافحة الفقر وتحقيق التنمية الذاتية والمستدامة التي تفيد الجميع وتوفر لكل فرد إطار حياة كريمة، تعبئة المجتمع من أجل ترسيخ الرغبة الجامحة بين الشبان للبحث عن أشكال جديدة للتعايش، على أساس التوافق والسخاء والتسامح، ورفض كافة أنواع القمع والعنف، والتوزيع العادل للثروة، وحرية الإعلام، وتشاطر المعرفة. لقد نص «مانيفستو» 2000 العام الدولي لثقافة السلام الذي وقعه 110 ملايين شخص في كافة أرجاء العالم، على «التزامي في حياتي الخاصة وفي أسرتي وعملي، وفي (جماعتي وبلدي وإقليمي، باحترام حياة الأفراد، ورفض العنف، وإطلاق الكرم والسخاء، والحفاظ على الكرة الأرضية، وإعادة ابتداع التضامن». هذا هو ما ينبغي فعله، إي الالتزام الشخصي بمثل هذا المسار الذي في وسعه أن يقود، في سنوات قليلة، إلي إجلاء الآفاق الداكنة القائمة في يومنا هذا، وإتاحة التعايش السلمي لكافة اهالي الارض. الكثير من بلدان العالم وأقاليمه وبلدياته، إستوعبت ثقافة السلام في دساتيرها وأنظمتها. ومن المهم بمكان أن يدرك الوعي الشعبي أن الوقت قد حان لعدم قبول الإكراه والطاعة العمياء لسلطة القوة لقد حان الوقت لكي يدرك الجميع أن المواطنين لم يعودوا مجرد رعايا ومشاهدين، للصعود في المقابل إلى خشبة مسرح، والتخلي عن الصمت والخوف، والتحول إلى ابطال السلام. عن: وكالة آي بي أس
فشل ذريع لثقافة العنف واقتصاد الحرب
نشر في: 17 نوفمبر, 2009: 03:51 م