لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلاً يتوقع النجاح الساحق لاجتماعات جنيف، نظراً لتباعد المواقف بين الوفدين المتفاوضين رغمهما، لكن أكثر المراقبين تشاؤماً لم يتوقع هذه النهاية السريعة والصاعقة، بحيث بدت النتيجة وكأنها تكريس للتناقض، بدل أن تكون مفتاحاً لأي حلول وسط، بعد قناعة الطرفين بعجزهما عن حسم الأمور عسكرياً، وكان مُنتظراً من وفد النظام اللجوء للدهاء الدبلوماسي، لتطويل أمد الاجتماعات، وإقناع العالم بأن معارضيه لا يبحثون عن حلول منطقية، لكنه تنازل عن هذه المهمة لوفد الائتلاف، الذي بدا أكثر التزاماً بمنطوق وثائق جنيف1، وأكثر قابليةً للتوافق على تنفيذها، وربما كان لبعض التقدم العسكري لصالح النظام، مع الدعم الروسي، أثره في الوصول إلى هذه النتيجة المؤسفة، التي روّج إعلام النظام لحتميتها، قبل سفر وفده إلى جنيف.
حسم الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي الأمر، مُعتذراً للشعب السوري لعدم إحراز أي تقدم، غير الاتفاق على اللقاء مجدداً، دون تحديد موعد، وفي حين رأى وفد المعارضة أن عقد جولة ثالثة سيكون مضيعة للوقت، إن لم يكن هدفها مناقشة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، فإن كبير مفاوضي النظام بشار الجعفري وصف المُعارضين بأنهم هواة، وتشبث بضرورة الاتفاق أولاً على مكافحة العنف والإرهاب، كأولوية تتقدم على كل ما عداها، بالطبع سارع كل من راعيي المؤتمر لدعم أحد الوفدين، وبدا واضحاً أن واشنطن بدأت الإعداد لخيارات بديلة، للضغط على النظام، بما في ذلك إرسال مزيد من الأسلحة إلى معارضيه، واتخاذ خطوات فورية لتقديم مساعدات إنسانية، مع التأكيد على أن كل الخيارات مطروحة، باستثناء إرسال أي قوات أميركية إلى أرض المعركة ، ودانت باريس ولندن نظام الاسد واتهمتاه بعرقلة أي تقدم في هذه الجولة من المباحثات.
يبدو أن فشل محادثات جنيف، وتقدم القوات النظامية على الأرض سيدفع إلى مقاربات مختلفة، يكون للأردن فيها دور مختلف، كشف مسؤول أميركي كبير بعض ملامحه، المتمثلة في إيصال الدعم الأميركي العسكري للمعارضة المعتدلة، لمواجهة التصاعد المحتمل لخطر التطرف، المُنتظر امتداده من الساحة السورية إلى كل جغرافيا المنطقة، ولم يتوان نظام الأسد، عن الإعلان أن أجواء لقاء الرئيس أوباما بالعاهل الأردني، لا تشجع على إنجاح جنيف ومكافحة الإرهاب، والتهمة جاهزة وهي تتعلق بتسليم المعارضة أسلحة متطورة، عبر الحدود الأردنية، وعليه فإن واشنطن، كما ترى دمشق، تتحمل وزر فشل جنيف، بتلويحها بالتصعيد العسكري، ما شجّع وفد الائتلاف على التعنت وإفشال هذه الجولة.
فشل مؤتمر جنيف، لأن كُلاً من طرفي الصراع حضره لفرض أجندته، وإن كان المعارضون أقل تشدداً، بقبولهم بحث مسألتي محاربة الإرهاب والحكومة الانتقالية، كما اقترح الإبراهيمي، لكن الوفد الحكومي رفض ذلك، ما أثار شكوكاً منطقية، حول أن دمشق تريد إسقاط بند الحكومة الانتقالية من جدول الأعمال، رغم أن الأصل أن الطرفين لم يحضرا لمناقشة بيان جنيف بل لتطبيقه، في حين بات واضحاً أن النظام لا يرغب في حل سياسي، بقدر ما يناور لكسب الوقت، بالقول إن الاعتراض كان على القراءة الانتقائية من الطرف الآخر لمشروع جدول الأعمال، وأن الخلاف ينحصر في تخصيص يوم واحد لمكافحة الإرهاب، ويوم آخر لهيئة الحكم الانتقالية، ما يعني أن المعارضين يريدون إبقاء النقاش حول مكافحة الإرهاب مفتوحاً الى اللانهاية، مع الانتقال إلى البند الثاني من دون قراءة مشتركة لهذا الموضوع.
حمّل الإبراهيمي النظام مسؤولية الفشل، وحمّلت دمشق واشنطن المسؤولية، وحمّلت موسكو المسؤولية للمعارضة، بينما يستمر نزيف الدم السوري، بانتظار أن يسود العقل والمصلحة الوطنية، ولو للحظة، تفتح كوةً للأمل
فشل جنيف.. وماذا بعد؟
[post-views]
نشر في: 16 فبراير, 2014: 09:01 م