TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أبو قتاده نجم إعلامي

أبو قتاده نجم إعلامي

نشر في: 17 فبراير, 2014: 09:01 م

تتحول محكمة أمن الدولة الأردنية أسبوعياً، إلى سيرك يلعب دور البطولة فيه، مُنظّر التيار السلفي الجهادي أبو قتادة، الذي تسمح له المحكمة بتحويل جلساتها الأسبوعية، إلى مؤتمرات صحفية دورية، تهتم بها الصحافة أكثر من اهتمامها بمجريات المحاكمة، ويتحدث الرجل فيها بوصفه ناطقاً إعلامياً باسم تنظيم القاعدة، يُعلّق على التطورات في سوريا، ويستغل المنبر القضائي لتوجيه رسائل للمقاتلين هناك، مُتدخلاً لحل الخلافات بين التيارات المتصارعة، ويُفتي بالجهاد، مُهاجماً المعارضة السورية لمشاركتها في مؤتمر جنيف، ولا يفوته أحياناً إلقاء نظرة على أوضاع العراق، والمدهش أن المحكمة تمنحه حق الرد على أسئلة الصحافيين بكل أريحية.
 أبو قتادة هذا، خاض معركةً قضائيةً في بريطانيا، امتدت لسنوات بغرض منعها من تسليمه للأردن، حيث ينال اليوم في عمان من التسهيلات ما لم يكن يحلم به، فقد اعتاد في مهد الديمقراطية واستقلال القضاء، الرضى بلقطة تلفزيونية أو صورة خاطفة، وهو في طريقه للمحكمة، بينما هو اليوم، وبرعاية محكمة أمن الدولة يصول ويجول، وصولاً إلى لبنان، حيث كال الاتهامات لحزب الله، مُحملاً إياه المسؤولية عن التفجيرات التي يشهدها لبنان، وهو بالطبع ينطلق من طائفية بغيضة، يتمنى اشتعالها في وطن الأرز، وكما يقول البعض، فإن ابو قتادة يُطل على وسائل الإعلام أسبوعياً، وفي مواعيد منتظمة، للحديث في الشؤون العامة، إقليمياً وعربياً، أكثر من كافة المسؤولين المعنيين.
 نعرف أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، ولكننا لم نسمع حتى اليوم ولم نتوقع، أن تتحول قاعة المحكمة إلى منبر إعلامي، لواحد من أخطر زعماء تنظيم القاعدة الإرهابي ومنظريه، علماً بأن هذه المحكمة تحديداً معروفة بتشددها، وحوكم فيها العشرات من المتهمين، في قضايا أقل خطورة من قضية أبو قتاده، ولم تتح لهم فرص الحديث مع وسائل الإعلام، كما هي متاحة اليوم للرجل، صحيح أن بعضهم كان يتفلت بالصراخ والتكبير والشتائم من داخل القفص، لتلتقط وسائل الإعلام عباراتهم عن بُعد، لكن الصحيح أيضا أن المسؤولين كانوا يتدخلون لمنع التجاوزات على الأصول، وإلى حد إخراج المتهم من قاعة المحكمة، ما يدفع للسؤال: اي قائد في القاعدة، أينما كان، حلم يوما بعقد مؤتمر صحافي أسبوعي مجاني، في قاعة محكمة عسكرية، يحاكم فيها بتهم التخطيط لعمليات إرهابية، سبق إدانته بها غيابياً قبل سنوات؟
يُفسر البعض التسهيلات الاستثنائية لأبو قتاده، وهي تتجاوز ما اتُفق عليه مع بريطانيا، كشرط لتسليمه للأردن، برغبة أجنحة في الحكم، باستغلال مُداخلات مُنظّر التيار السلفي، لصب الزيت على نار الخلاف المتفاقم بين أجنحة التيار، والمنقسم حيال الولاية على المجاهدين في سوريا، حيث يُساند المنظرون الأبرز للتيار في الأردن، جبهة النصرة في صراعها مع داعش، وحيث ينظر البعض إلى النصرة باعتبارها أكثر اعتدالاً، وتكمن خطورة هذا الفهم في منحه مُنظّراً بارزاً للقاعدة، فرصة مخاطبة أنصار التنظيم في كل مكان، وحشد طاقاتهم في مواجهة لن يكون الأردن بمنأى عنها في قادم الأيام، وقد ذاق بعض مراراتها في أوقات سابقة، كما أنه يُحوّل محاكمة أبو قتادة إلى قضية رأي عام، تضغط على القضاة عند اتخاذ القرار، وبالنتيجة فإن أبو قتادة مثل أي متهم، يستحق محاكمةً عادلة، وليس مؤتمراً صحفياً للترويج للكراهية والتعصب وتنظيم القاعدة، أو حل مشاكلها، بينما يدفع المواطن الأردني تكاليف هذه المحاكمة، ما يستوجب تسريع أعمالها، والانتهاء من مهزلة تحولاتها الأسبوعية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram