TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "الأحرار" وما تبقى من السياسة

"الأحرار" وما تبقى من السياسة

نشر في: 17 فبراير, 2014: 09:01 م

لو طلب مني ان اقدم تعريفاً مختصراً للتيار الصدري، قيادة وكتلة وجمهوراً، فسأقول: انهم فريق يضع اللمسة الأكثر تميزاً على المسار السياسي المتكلس والمتراجع في العراق، فطيلة الدورة البرلمانية التي توشك على الانتهاء، كان الصدر وتياره، في طليعة من غامر بأشياء كثيرة، للحفاظ على ما تبقى من "السياسة" في البلاد وسط صعود الحلول العسكرية، والعقلاء من هذا التيار لم يتوقفوا عن كبح جماح المسار العنفي والحربي الذي تحرك نحو جبال الأكراد، وانعطف باتجاه سهول غرب العراق، فضلاً عن مواقف عقلانية للغاية داخل اكثر من ملف مصيري، لاسيما انحياز الصدريين لتحديث البنية الإدارية ومنح المحافظات صلاحيات أوسع والبدء بتطبيق الروح اللامركزية للدستور.
الصدر وتياره، عرضوا مصالحهم للخطر، حين اصبحوا رأس الرمح العراقي في الاعتراض على سياسات المالكي. وحين أراد الأخير تضليل الرأي العام وصناعة تصادم قومي كردي عربي مع أزمة طوزخورماتو نهاية ٢٠١٢، كان مقتدى الصدر وساسة شجعان وحكماء في تياره، صوتاً احتجاجياً بارزاً، يقول ان العرب لا يؤمنون بإدارة حربية لأي خلاف مع اربيل، وأدانوا بقوة زج الجيش في الصراع السياسي. وقد دفعوا ثمناً كبيراً لذلك. ولم يكن ذلك مفاجئاً، ففي الصيف الذي سبق ذلك، كان الصدريون على رأس القوى الوطنية التي استجابت لنداء اربيل حول مشروع الإصلاح السياسي الذي بلغ حد سحب الثقة من الحكومة. ومنذ ان اندلعت أزمة العيساوي واعتصامات المحافظات الست، صار بوسعنا ان نقول انها لا تعكس صراعاً طائفياً لان الكثير من العقلاء الشيعة النافذين، بذلوا جهوداً طيبة في حماية الاعتصامات، وكان الصدريون على رأس هذه الجهود، ولعلهم كانوا من السياسيين القلائل الذين زاروا ساحات الاعتصامات، وانخرطوا في حوارات للتهدئة لم يكتب لها النجاح بالطبع، إلا أنها شكلت نواة لتفاهمات في وسعها ان تكبر وتصمم حلولاً للخلافات الكبرى. ولذلك فإن قادة الاعتصامات ذكروا مراراً انهم حين لا يرون في المالكي طرفاً ضامناً يوثق به في إبرام اتفاق، فإنهم مستعدون لقبول ضمانات من طراز تلك التي يرعاها بارزاني او الصدر او من كان يؤمن بشراكات متوازنة مثلهما.
ومنذ شهور تولد شعور عام بأن الصدر يريد ان يقوم بإبعاد المكتب الديني لأسرته عن تفاصيل العمل السياسي واليومي، ولعل من الإشارات الدالة على وجود نقاش من هذا القبيل، ان اكثر من عضو بارز في فريقه، قال ان التيار الصدري حركة مدنية لديها مرجعية أخلاقية هي أسرة الصدر، وبدا هذا منسجماً مع سياسات كثيرة اتبعها التيار، بوصفه حركة سياسية مدنية، وليست دينية بالمعنى الثيوقراطي، ويمكن ان نراجع هنا تصريحات عديدة للأمين العام لكتلة الأحرار ضياء الاسدي، او محافظ بغداد علي التميمي، بخصوص الموقف من التنوع الثقافي في العاصمة.
نعم يحق للصدر ان يضع ما يراه مناسباً من الحدود، بين جناحه السياسي وتفاصيل أسرته الدينية. لكن هذا لن يلغي حقيقة انخراط أسرته التاريخي في الشأن العام، ورصيد الثقة الذي أسسته طيلة قرن من تاريخ العراق الحديث، وهو ليس رصيداً قابلاً للتناسي في اكبر أزمة ثقة تعيشها البلاد مفتقدة لضمانات مستقرة تحقن الدماء وتتيح لنا ان نتفرغ لملاحقة ما يتهددنا من فقر تنموي وتخلف على كل المستويات.
ان اي تراجع في الوضع السياسي للكتلة الصدرية، سيكون خسارة للجبهة الوطنية العريضة المنادية بإصلاح المسار السياسي للبلاد، وغياباً لطرف يمكنه ان يكون ضامناً مقبولاً، لحفظ ما تبقى من السياسة. وجميع الذين غامروا بأشياء كثيرة ولم يسكتوا على السياسات الحمقاء، يتلهفون لمحاولة تصحيح كبيرة في انتخابات نيسان بعد أسابيع، وهو تصحيح إنقاذي، بديله انهيار اكبر وشاطئ من الدم يزحف الى بيوتنا ومخادعنا، كوباء لا تفيد معه عزلة، ولا ينجي منه اعتكاف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عهد الوارثين

    المقال بحاجة الى تعريف من هو السيد مقتدى فاانة ابن محمد محمد صادق الصدر وعمة محمد باقر الصدر انة سليل عائلة ميزتة اخلاق الفرسان الشعب بحاجة الى ضربة براسة لكى يعرف من يخسر اربع سنين هوجاء قادمة لامحالة

  2. ابو سجاد

    يااخي الفاضل ان انسحاب الصدر في الوقت الحاضر لايحتاج الى فراسة هي واحدة من اثنين لاثالثة لهم اما ا نهزم امام المختار واما اهداه ولاية ثالثة نتيجة ضغوط خارجية غير طبيعية لماذا لاينسحب من قبل ونحن الان على ابواب الانتخابات

  3. صفوان

    انا لا اراها الا تبادل ادوار على وليمة اسمها العراق ولكي يكتمل المشهد لابد من معارض مبرمج وفق السياسة العليا للاسياد

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram