1-3
بدأ الأمر في الطائرة. فعلى سؤال لي عن الوضع في العاصمة المصرية، القاهرة، وفي البلادً، حصلت على الأقل على إجابات ثلاثة مختلفة. الإجابة الأولى من جاري المصري الذي جلس إلى يميني عند شباك الطائرة، "الوضع لا يسر"، قال لي، السبب حسب تفسيره، هو ابتعاد المصريين عن ربهم، "بينا وبين ربنا حته!"، ولذلك وضعهم الله أمام هذا الامتحان، "وإلا"، سألني، "هل قلت لي، أين نحن من وصية واعتصموا بحبل الله جميعاً"؟ الجار هذا الذي قارب نهاية الأربعين من عمره، والذي ظل طوال الوقت، باستثناء مرة واحدة ذهب فيها إلى التواليت، منطوياً على نفسه، يعيش في مدينة غراس النمساوية منذ 25 عاماً، وهو أب لأربعة أطفال. على عكسه أجابني المصري الذي جلس إلى يميني في المقعد عند ممر الطائرة، عادل الذي هو في سنّ الأول تقريباً، لكن أكثر أناقة منه، كل شيء يشير إلى أنه من الطبقة الوسطى أو أعلى، والذي طلب من المضيفة مثلي نبيذاً مع وجبة الغذاء، هو كما قدم نفسه، صاحب مزرعة قريبة من الإسكندرية، في منطقة الغربية (ليس الغربية عندكم، قال لي مازحاً)، طنطا وغيرها من المدن الصغيرة المجاورة، يجهز سوبرماركات ألمانية معروفة مثل "أديكا"، "ليدل" و"آلدي" بمنتجات بيولوجية، لا تُستخدم فيها الأسمدة البيولوجية، كما هي الموظة في أوروبا في العقدين الأخيرين، مثل الفراولة والحمضيات من برتقال وحامض وغيرهم، هو شخصياً يقيم في أوروبا، في إيطاليا، لكن إخوته يديريون بالتعاون معه المزارع تلك، الآن أولاً بدأ الوضع بالتحسن، بالنسبة له، "الإخوان لم يجلبوا غير الفوضى للبلاد"، وما تحتاجه الناس في مصر، هو الاستقرار "النظام والانضباط". "الناس عاوزة تاكل"، قال لي، "عاوزة تعيش". أما الإجابة الثالثة فجاءتني من مصري تعرفت عليه صدفة قبل الصعود للطائرة ونحن في فيينا، والذي جلس في النهاية في آخر مقعد للطائرة والذي علق على ما يدور في مصر عن طريق رواية النكات. حمدي الذي يعيش في العاصمة السويدية استكوهولم ويعرف العديد من العراقيين، (لذلك قال لي مازحاً، إن عليه أن يحذر لأنني عراقي!) بدا شاباً قياساً للإثنين، ربما في أواسط الثلاثين من عمره، لم يمر على عيشه خارج مصر أكثر من 8 سنوات، وهو ذاهب إلى مصر أولاً لحضور حفل عرس أخيه في قيتهم القريبة من السويس (في الأول كذب عليّ وقال إنه من القاهرة!!)، وثانياً، وذلك الأهم بالنسبة له، لكي يجلب امرأة "شابة" اختارتها له أمه كزوجة.
ثلاثة من المصريين بتصورات مختلفة، برأي للوضع لكل واحد منهم، لكن في أمر اتفقوا عليه، هو أنهم تجنبوا الحديث مع بعضهم البعض، لكن الحديث معي، نعم. وكم حاولت جمعهم مع بعض، لكنني فشلت، حتى مجدي صاحب النكات، ربما اقترب من تاجر الحمضيات عادل قليلاً، لكن من الآخر، هزّ رأسه وغمز لي بعينيه. أمر أثار الدهشة عندي حقيقة، لأن ما رأيته هو حالة غير مألوفة بالنسبة لي قبل الآن، من 1993 وحتى 2008 زرت مصر كل عام، في بعض السنوات أقمت في القاهرة 3 أشهر أكثر أو أقل، أمر يسمح لي بالقول، إنني أعرف المصريين بعض الشيء، لم أر تجنبهم بعضهم البعض حتى الآن، وخاصة في الغربة، كانوا دائماً عوناً لبعض، ولقول الحقيقة، حالة مثل هذه لم أرها عند ناس آخرين، إذا لا أقول لم أرها عند شعوب الأرض جميعاً، باستثناء العراقيين، ولا أقصد العراقيين في أيامنا هذه، الآن يتحدثون مع بعض، لكن يكذبون على بعض، بل أقصد عرفتها عند العراقيين فقط في الماضي، في زمن الحكم الديكتاتوري للبعث وصدام، عندما كان تجنب التعرف بين عراقي الخارج على بعض هو العادة. لكن مهما قيل عن ديكتاتورية السادات ولاحقاً مبارك، إلا أن المصريين لم يتجنبوا بعضهم، كما الآن. الحذر والحيطة، من يعرف، إلى أي معسكر ينتمي الآخر؟ إنه أمر جديد، له علاقة بالخوف لا غير!
يتبع
يُنشر المقال بالتزامن مع نشره في الصحيفة الألمانية العريقة
"زوددويتشه تزايتونغ"
القاهرة التي تسعى لتقليد بغداد
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2014: 09:01 م