في زمن انتشار تداول الألقاب في العراق ، وإطلاقها على من يستحقها لاعتبارات طبقية، ووظيفية وفي بعض الأحيان سياسية ، راودت شروان البلام الرغبة في ان يحمل لقب
باشا ، الرجل كان يسكن في كرادة مريم في بيت طيني يقع في بستان تعود ملكيته لأسرة بغدادية ، امتهنت التجارة مطلع القرن الماضي ، وعندما استولت الحكومة على أراضي تلك الأسرة مقابل تعويض ، قررت مغادرة البلاد ، وما تبقى من أفرادها يقيم حاليا في الولايات المتحدة الأميركية واوربا .
من مرافقة تلك الأسرة والاختلاط برجالها ولدت رغبة شروان في الحصول على لقب الباشا ، لأنه لا يقل شانا عن الآخرين ، ويمتلك من المواصفات ما يؤهله ليصبح كبير الباشوات ، لكن ضيق ذات اليد ، وقلة المال و كثرة العيال ، تقف عائقا أمام تحقيق طموحه ، فاخذ هذا الهاجس الكثير من اهتمامه وانعكس على سلوكه وطريقة تعامله مع زوجته ابنة عمه ، وأبنائه الخمسة ، فطلب من أفراد أسرته الكبار والصغار مناداته بلقب الباشا ،ملوحا بإنزال اقسى العقوبات بحق المخالفين ، بمنع ركوب البلم في ساعات استراحته ، الزوجة كانت اول من ابدى اعتراضها على قرار الأب ، وعدته نوعا من البطر وانتحال الوجاهة، فهي تعرف ان ابن عمها لا يجيد القراءة والكتابة ، ولا يمتلك ثروة مالية تساعده على الدخول في عالم التجارة ، وانتحال لقب الباشا لا يمنعها من خدمة بيوت الأثرياء في كرادة مريم ، وخبز عجينهم في تنورها الطيني .
إنشاء القصر الجمهوري في منطقة كرادة مريم تطلب استملاك مساحات كبيرة من الأراضي فاضطر العديد من الأهالي الى السكن في مناطق أخرى بعد تسلمهم التعويض بمبالغ مجزية في ذلك الوقت ، وأسرة شروان حصلت على مبلغ قليل مقارنة بالآخرين ، لكنها استطاعت ان تبني لها دارا في حي شعبي بمساعدة الخيرين من الباشوات والأفندية ، وسلفة المصرف العقاري، وفي المكان الجديد ، وبعد ان تطوع أبناء شروان بسلك الشرطة باستثناء صغيرهم الذي فضل الاستمرار بالدراسة ، لم يتخلص الأب من هاجس "الباشوية "، وحالة تقمص اللقب لديه وصلت الى تكليف الأبناء بان يرافقوه مرتدين زيهم الرسمي الى مقهى الطرف ، ومناداة النادل جيب جاي للباشا ، وتكرار النداء جعل الآخرين يصدقون بان شروان باشا حقيقي ، ولاسيما انه أثناء حديثه مع رواد المقهى يذكر أسماء تجار وشخصيات سياسية ويتحدث عن تفاصيل دقيقة في حياتهم ، وسلوكهم ، وما يعجبهم من الأكلات البغدادية ، ومن منهم يتعاطى الخمر ويحب الكيف والطرب .
سكان الحي وتعبيرا عن احترامهم للرجل ، منحوه لقب باشا ،لان أبناء شروان الأربعة يعملون في سلك الشرطة ، والحاجة الى خدماتهم ومساعدتهم ، ضرورية ،في حالات الطوارئ وأثناء حصول المشاجرات ،واندلاع نزاعات قد تصل أحيانا الى استخدام السلاح الأبيض والمكاوير.
شروان لبى نداء ربه منذ عشرات السنين ، لكن قصته في انتحال اللقب انتقلت الى أحفاده فاحدهم قرر الانضمام الى قائمة انتخابية ، وطلب من أبنائه وزوجته ان ينادوه بلقب حضرة النائب ،واذا حالفه الحظ ، واصبح وزيرا فلن يتنازل عن لقب صاحب المعالي.
شروان باشا
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2014: 09:01 م