TOP

جريدة المدى > عام > المخرج أسعد الهلالي يستنطق الفنان التشكيلي الصامت طالب مكي

المخرج أسعد الهلالي يستنطق الفنان التشكيلي الصامت طالب مكي

نشر في: 19 فبراير, 2014: 09:01 م

من أبرز الفنانين الفطريين في العراق ...زرع الدهشة في نفوس عشاق الفن التشكيلي ونقاده بأعماله التي تحدثت بالنيابة عنه ..الفنان طالب مكي ...ابن الشطرة الذي مارس هواية الرسم على الجدران في طفولته واستبدل الكلام بالفرشاة والسمع بالإبداع ..كان الطالب الوحي

من أبرز الفنانين الفطريين في العراق ...زرع الدهشة في نفوس عشاق الفن التشكيلي ونقاده بأعماله التي تحدثت بالنيابة عنه ..الفنان طالب مكي ...ابن الشطرة الذي مارس هواية الرسم على الجدران في طفولته واستبدل الكلام بالفرشاة والسمع بالإبداع ..كان الطالب الوحيد الذي تم قبوله  في معهد الفنون الجميلة بقرار ملكي عام 1952لأنه لا يقرأ و لا يكتب وأصم وأبكم وتتلمذ على يد فنانين كبار، منهم فائق حسن وجواد سليم الذي لقّبه بأسد بابل ومنح شهادة دبلوم فنون تشكيلية، كما عمل الفنان رساما في دار ثقافة الأطفال ،وهو من مؤسسي مجلة مجلتي والمزمار وحمل غلاف العدد الأول من مجلة مجلتي لوحة له ،كما شارك في عدة معارض شخصية وجماعية ...
الروائي والمخرج السينمائي أسعد الهلالي اختار قصة طالب مكي لتكون مادة لفيلمه التسجيلي الذي يحمل عنوان (صمتاً إنه يتحدث ) وهومن نوع أفلام الديكو دراما ومن إعداد الشاعر والناقد التشكيلي  حسن عبد الحميد..في حوار أجرته المدى مع الهلالي سألناه عن كيفية ولادة فكرة اختيار الفنان طالب مكي كمادة فيلمية له فقال :
-خلال السنوات 2006-2008 ، كنت وصديقي حسن عبد الحميد منشغلين بإنجاز حلقات برنامج ( تكوين ) لقناة السومرية الفضائية وهو مختص بالفنانين التشكيليين وأنجزنا منه 118 حلقة بمعدل حلقة عن كل فنان ، وقد اقترح حسن ان ننجز حلقة عن طالب مكي لكننا اردناها متميزة بسبب تميز هذا الرجل ولم تجر الأمور وقتها كما اردنا ..وفي منتصف عام 2013 اقترح حسن إنجاز فيلم لصالح دائرة السينما والمسرح وأصر على إخراجي له لما حققناه من نجاح في برنامج ( تكوين)..
* كيف تعاملت مع مفردة الصمت لدى الفنان وعلاقتها بموهبته الفنية ؟
-صمت الفنان طالب هو ميزته الأبرز وقد شبهه الراحل الكبير جواد سليم بأسد بابل الذي يرى كل ما يجري أمامه دون ان يتحدث ،ورغم ذلك فهو شامخ ورابض على قلب الأرض ...هناك بعض المعالجات للطريقة الخاصة التي يتحدث بها الفنان طالب ،وقد وجدتها جميعا تقليدية ..كنت أفكر بضرورة ترسيخ صورة شامخة وعظيمة عنه ليتقارب أو يتماهى مع أسد بابل الفكرة ، لا التجسيد ..لذا جعلت الجميع يتحدث عنه وعن أعماله الفنية الرائعة تقدمه مبدعا استثنائيا ..كان حاضرا على الدوام ينظر ولا يتحدث ..وحين تبدت صورته وظهر كبيرا متألقا مبدعا ..دفعته للحديث بكلمات محسوبة أظهرت واقع كونه أصم وأبكم في الوقت الذي أكبر فيه المشاهد هذا الصمم واعتبره ميزة استثنائية، فقد كان حافزا لن يغدو نتاجه هو صوته الصادح ..ومن جانب آخر اعتمدت على الموسيقى لتكون بمثابة معادل صوتي مجرد لدواخل الفنان ومشاعره ..وكنت قد قررت سلفا أن أنجز الفيلم ضمن فضاء التسجيلية الشعرية أو الرومانسية ،فالتناول التسجيلي التقليدي سيقدم موضوعة جافة لا تحقق نتيجة مؤثرة ،إذ سيعيد لذاكرة المشاهد سلسلة من المعاقين تضيع بينها خصوصية طالب مكي ..
ويعترف أسعد الهلالي بأنه كان منحازا لطالب مكي فقد احبه جدا وأراد ان يحبه المشاهد ،لذا بذل المونتاج والتصوير والموسيقى جهدا لترسيخ هذا الحب ..وقد قال كل من شاهد الفيلم بأنه وُفّق في ذلك ..
*هل وجد الفنان مكي نفسه في فيلمك بعد مشاهدته؟
ـ طالب مكي صامت كعادته، فلم أسمع منه وهو لم يسمع الشريط الصوتي المرافق لشريط الصورة في فيلمه.. لكنه رأى حب المشاهدين الذين التفوا حوله وصفقوا له كثيرا، وقد كرمته دائرة الفنون التشكيلية ، وعلى المسرح شاهد قاعة المسرح الوطني المكتظة بالمشاهدين وهي تصفق بحرارة سواء كان تصفيقها للفيلم أو له ،فهو المعني الأول..كنت سعيدا لأننا منحناه فرحا .. ومما صرح به أفراد عائلة الفنان طالب مكي والمشاهدون والمعنيون أنهم شاهدوا تألقه في هذا الفيلم..
*برأيك ..لماذا لم يتناول أحد من قبل قصة الفنان الاستثنائية في مجال الفن التشكيلي في العراق؟
ـ ربما نهاية فيلم "صمتا إنه يتحدث" تجيب على هذا السؤال.. فقد تعرض طالب مكي إلى الإهمال والتهميش لأسباب، رأى الفنان بلاسم محمد أنها تعود لأن الإعلام يعتمد على الصوت، الحوار، العلاقات، وينجح فيه من يستطيع التحدث والترويج لمنتجه فكيف الحال برجل صامت لا يستطيع أن يوصل صوته أو فكرته، وأعتقد بأن المشتغلين في مجال الفيلم التسجيلي أو البرنامج الوثائقي تهربوا من تناول شخصيته لأن المعادلات السمعية صعبة التحقيق ومن الممكن أن تدفع بالمادة الفيلمية إلى التسطيح، ولعل بعضهم لم يجد صيغة مناسبة.. وقد رأيت مادة فيلمية بثت على إحدى القنوات قدمت الفنان منذ البداية كمحاور مع ترجمة صوتية مرافقة.. وهذا بتقديري تناول غير منصف.. طالب مكي تحدث كثيرا بل صرخ عبر نتاجه الفني الكبير.. لذا حين اخترت اللحظة المناسبة لحديثه القصير المعبر، صرخت صمتا.. فقد تحدث الآخرون عنه كثيرا وأظهروا تسامق قامته.. كما أوضحت منجزاته علو شأنه بين الفنانين التشكيليين.. لذا كان على الجميع أن يصمت ليقول طالب كلمات بسيطة مبعثرة مفادها أن الماضي كان جميلا ومثمرا واليوم فوضى لن تؤدي لشيء.. هكذا كان يشعر وهذه هي أزمته الروحية والفنية في سنته السابعة والسبعين..
*ما أهم الأدوات التي اعتمدتها في الفيلم ..السيناريو ..أم الحوار ..أم الصورة ؟
ـ كلها بالطبع، فقد وضعت سيناريو لكنه كان بمثابة خطة عمل.. إذ هيأت نفسي للاستفادة من المعطيات والمستجدات وما يشخص أمام العدسة.. لقد قرأت كثيرا عن الشخصية، ووفر لي حسن عبد الحميد مادة غزيرة تمكنت من صياغتها في الشكل الذي بدا في فيلم "صمتا انه يتحدث". وسجلت عدة حوارات مع مبدعين ممن يعرفون الكثير عن طالب مكي كبلاسم محمد وعبد الرحيم ياسر وموفق مكي وشفيق المهدي وكاظم نوير وغيرهم.. ومنها اخترت الجمل المناسبة لصنع مسار الفيلم مفهوميا وإيقاعيا ووجدانيا، مجسدا بسيل من الصور التي أنجزتها خلال مرافقتي مع كادر الفيلم للفنان لعدة أيام إضافة إلى الخزين الكبير لمنجزات الفنان في الرسم والنحت والالستريشن..
 *هل تفكر في إشراك فيلمك في مهرجان ما؟
ـ سأحرص على ذلك بالتأكيد خاصة وانه حقق نجاحا جيدا لدى عرضه في مهرجان الفن التشكيلي ..
* كيف تنظر إلى وضع السينما في العراق اليوم ..هل تستقبلها النخبة والمهرجانات فقط ، وكيف يمكن لها ان تصل إلى المتلقي العراقي؟
ـ أرى بأن السينما اليوم تصحو من غفوة طالت.. وأثق كثيرا بأن الشباب المشتغلين في مجال السينما هم من سيرتقي بهذه الصحوة لتغدو في النهاية مشروعا سينمائيا عراقيا.. لقد توجه بعضهم إلى صناعة الفيلم دونما دعم تقليدي من مؤسسات الدولة، اعتمدوا تقنيات بسيطة لكنها جيدة في التصوير والمونتاج ،وقد أكدت في عدة حوارات أن التقنيات لم تعد عائقا ،فكاميرا بسيطة في موبايل متقدم تقنيا من شأنها أن تمنحنا صورة وصوتا جيدين.. هناك كاميرات الفوتوغراف التي تحوي إمكانية تصوير الفيديو بنظام أتش دي أو أكس دي ،وهذا يعني صورة رائعة ومقبولة في العرض كما أنها صالحة للنقل إلى شريط سينمائي في ما بعد.. أما المونتاج فهناك برامج الكومبيوتر التي لا تعد باهظة الكلفة بل هي متاحة ويسيرة الاستخدام ومن شأنها أن تحقق نتائج باهرة في المونتاج ...الأزمة إذن في صانع السينما المثقف، المكتظ بالجماليات التي من الممكن أن تظهر جلية على السمعبصري الذي يقدمه.. هناك شباب أدركوا حدود اللعبة وصاروا ينجزون أفلامهم ويحصلون على جوائز مهمة في مهرجانات محلية وعربية وعالمية.. أرى أن علينا أن نواصل وندعم هذه الجهود فهي من ستصنع السينما العراقية التي قد تربكها المؤسسات بانتقائيتها ولا مسؤوليتها أحيانا.. ما تحتاج إليه السينما العراقية اليوم المزيد من دور العرض التي من شأنها أن تحول النتاج الفيلمي العراقي إلى صناعة تستمد قوتها من ربحيتها ،وهذا أمر مشروع إذ لم تتطور السينما العالمية إلا بعد أن صارت تحقق عائدات مالية كبيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram