اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (١٢)..مظاهر الصعود وتجليات الانطفاء..

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (١٢)..مظاهر الصعود وتجليات الانطفاء..

نشر في: 19 فبراير, 2014: 09:01 م

لقد شهد العالم العربي، سلسلة انقلابات، وانقلابات مضادة، جرت فيها تصفيات، داخل "الأسر الانقلابية" نفسها، البعض منها اتّسم بطابع العنف والتصفية الدموية، والبعض الآخر كان أرحم! اذ لم يتعرض فيها "المنافس- المعارض "سوى للسجن المؤبد، والموت البطيء، او العز

لقد شهد العالم العربي، سلسلة انقلابات، وانقلابات مضادة، جرت فيها تصفيات، داخل "الأسر الانقلابية" نفسها، البعض منها اتّسم بطابع العنف والتصفية الدموية، والبعض الآخر كان أرحم! اذ لم يتعرض فيها "المنافس- المعارض "سوى للسجن المؤبد، والموت البطيء، او العزل الخانق، الأشد مكابدة من السجن والموت في المحاجر الانفرادية او المنفى.
وتفاوتت شدة الانقلابات المضادة وقسوتها وانعكاساتها على مصائر البلاد ومستقبل تطورها، ارتباطاً بموازين القوى بين اطراف الصراع في السلطة الانقلابية، وتقدير الأساليب الضامنة لإلغائها، او كسر ارادتها، وإقصائها عن مراكز السلطة، وتصفية بؤرها في هياكل الدولة.
وبغض النظر عن تفاصيل تلك الانقلابات والانقلابات المضادة، ومآلها، فإن قياداتها، اعتمدت "تديين الدولة "أو إضفاء الطابع الإيماني المنافق على نزوعها، وبالتالي إخضاع المجتمع لفروضها القسريّة، بأدوات  الدولة الرادعة.
ان التعبيرات الحادة عن ظاهرة "تَديين الدولة"، عكستها تجربة ارتداد جعفر النميري في السودان، وانتقالها الى احضان الاسلام السياسي، بعد نحر قادة الانتفاضة الثورية عليه، بتواطؤٍ فاضحٍ مباشر من القذافي. وانقضاض انور السادات على قيادة الاتحاد الاشتراكي والدولة الناصرية، بعد اكتشافه رفضها "مبايعته" لرئاسة مصر دون اشتراطات "مقيدة - ديمقراطية"، مما جعله يتحول انعطافياً نحو الاخوان المسلمين، ويفتح لهم ابواب الدولة بإعلامها ومساجدها، ويعزز من نهجها هذا بعد حملته القمعية، واعتقالاته الجماعية لأقطاب الحركة الوطنية وقادة الرأي العام والصحافة وحملة الرأي الحر الآخر. وفي هذا الاتجاه مع تعديلات طفيفة واصل نظام محمد حسني مبارك سياسة "الجزرة والعصا" مع الاخوان، عبر الاجهزة الامنية والمخابراتية، وهي سياسة أكسبتهم حضوراً واسعاً بين الجمهور المهمّش، المقصي في مجاهل الصعيد والأطراف بشكل خاص، والتعاطف من اوساط واسعة، بسبب تعرضهم للقمع والمطاردة والسجن والمحاكمات العرفية. وفي سورية، كانت مجزرة حماة، حداً فاصلاً، لتوسع نفوذ الإخوان، وتهديدهم المسلح لسلطة البعث، وحضور الدولة وأجهزتها المخابراتية القمعية، لكنها من جهة أخرى، دفعت النظام عبر مختلف الوسائل السياسية والاعلامية والمجتمعية، وكذلك الاجهزة الامنية، الى تشجيع ما اسمته بـ"الاسلام المعتدل"، فانتشرت على نطاق واسعٍ جمعيات البر والخير والزكاة وحفظ القرآن الكريم، وتمكنت رموز مهجنة من الظهور في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة لتنشر وتبشر بقيم ومبادئ الاعتدال، دون ان تتميز لا بالخطاب ولا الأسانيد، ولا باسترجاع المُثل والمآثر والسير، سوى، بالانحياز المبطن او المباشر للدولة وقيادتها الرشيدة.
ومن بين كل التجارب التي شهدها العالم الإسلامي العربي، ظل النموذج العراقي، متفوقاً ومُبتَكِراً، من حيث التحولات او النهج او الأساليب. فإذا كان حزب البعث قد تأسس منذ البداية، كحركة مضادة لـ"انتشار الشيوعية" أي حركة التغيير الاجتماعي الاقتصادي الجذرية، وإطارها العقلاني "العدالة الاجتماعية" وليس "الهرطقة والإلحاد" لأنه كان في واقع الحال، ولو في التصنيف الشكلي "لا دينياً" او "علمانياً - ظلامياً"، فإن تاريخ البعث السياسي، ظل حتى اللحظة الاخيرة من لفظ انفاسه، مرتبطاً بسيول من الدم والتصفيات وتهجين المجتمع العراقي وافراده، مُبتَدئاً بتكوينه الداخلي، كتنظيم سري يعتمد الوشاية والجريمة واعتماد العنف كوسيلة لتحقيق اهدافه الانقلابية، وممتداً الى مسامات المجتمع والسلطة والدولة.
ولهذا جاءت تحولات النظام "الإيمانية" مطبوعة بذات النزعات والوسائل والحيثيات. وتديين صدام حسين، وحملته الإيمانية، امور استمدت فلسفتها وأدواتها من خزائن اكثر العصور التاريخية فظاظة وقسراً ودموية. وهو لم يترك نموذجاً للبطش في تلك العصور دون ان يستحضره، بعد ان افرغ رصيد هتلر وموسوليني، وما فيه من صنوف الإبادة الوحشية.
في بيئة الحملة الإيمانية لصدام حسين، قُيّض له ان يستخدم اسماء معارك الاسلام في صدر الدعوة، في حروبه الداخلية والخارجية. ولم يتعفف بل راح يَسم نهجه الإجرامي بالإسلام، ويتمادى في توظيف وعاظ السلاطين والسدنة الادعياء من المتأسلمين، لوضع نسبه في شجرة النسابة النبوية!
ولتأكيد فكرة التزاوج والترابط في الوشيجة السياسية، بين الإسلام السياسي والدولة الشمولية وسلطاتها الجائرة، يمكن التوقف عند لحظة تهافت الاحزاب والحركات والقوى الاسلامية على بغداد لابداء التضامن مع "العراق" ضد التهديدات "الأجنبية"، وهو نفس التهافت الذي ساد إبان حرب "القادسية" العراقية الإيرانية، لحماية الجبهة الشرقية المهددة! ومشهد التهافت للقوى الاسلامية، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون" في غاية الغرابة. فالزحف التضامني مع النظام البعثي، كان يضم مختلف الشيع والملل والتفرعات المذهبية، ومن سائر الدول والأنظمة العربية والإسلامية دون استثناء، في الوقت الذي كان النحر اليومي للمسلمين وللعراقيين يتواصل، بقطع الرؤوس وبتر الاعضاء والتفجير الجماعي والاغتصاب، وحفلات تقديم الضحايا للكلاب والحيوانات الكاسرة.
في الألفية الثالثة احتفل الناس ببزوغ عالمٍ باتت وتيرة تطوره العلمي والحضاري، تتجاوز كل تاريخ البشرية، واليوم الواحد فيه يختزل قروناً من التطور، والعوالم "المتناهية الصغر" تحسب بالفمتو ثانية، والمتناهية الكبر، بتمدد لا متناه في اكوان لا مجال لقياس ابعادها. في هذه الألفية، كان موقع البلدان العربية - الاسلامية، فائضاً عن الحاجة على الخريطة الكونية. فكلها تقريباً كانت قد دخلت في سبات الدولة الشمولية الطاغية، وما تتطلبه من انتاج العنف والتصفية والاقصاء والتهميش في ادارة الدولة وشؤون رعاياها. وهي اذ كانت كذلك، فإنها وجدت ضالتها في استحداث "بيئة دينية مُرائية" مقطوعة عن سياقاتها التاريخية، لتُظهر من خلالها، انها لا تفعل غير استعادة تراث الامة الاسلامية- العربية، والحفاظ على هويتها، ونقاوة قيمها وتقاليدها، من أدران الحضارات الوافدة الغريبة بتقاليدها ومفاهيمها، وفصلها عن قيم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف. ومثل هذه المهام "السامية" لتقويم المجتمع وحمايته من الانحراف، لها في التاريخ التليد ما يدعمها من وسائل وأساليب رادعة لعبت دورا حاسماً في ردع المتطاولين داخل المجتمعات والإمارات الاسلامية، لإثارة الرعب في نفوس المتربصين في الخارج.
والتاريخ الاسلامي الرسمي، يسرد في مناهج الدراسة في المستويات المختلفة، وفي الجامعات، سيرة "افذاذه"من اوائل مبتكري ادوات ووسائل التعذيب ضد الخصوم من المسلمين. ولنا نموذج مؤثر في الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أعدم مئة وعشرين الف عراقي واستباح نساء المسلمين، لتدعيم اركان ولايته، متوعداً بقولته المشهورة: أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها، وانّي لصاحبها!
وكذا في ما فعله العباسيون بأهل دمشق، اذ قتلوا خمسين ألفاً منهم.
وهذه صيحة الخليفة عمر بن عبد العزيز وهو يتلفت في اتجاهات الحواضر الاسلامية، متأففاً اذ يستذكر ما هو قائمٌ فيها:
"اللهم قد امتلأت الدنيا ظلماً وجوراً.."!
يتبع ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. داخل السومري

    سومر بدل ذي قار سؤال يطرح نفسه وبقوة: لماذا سميت محافظة الموصل بمحافظة نينوى ومحافظة الحله بمحافظة بابل وتستثنى محافظة الناصريه لتسمى محافظة ذي قار بدل ان تسمى محافظة سومر ؟ ما هي ذي قار : معركة دارت بين غزاة دخلوا وادي الرافدين من الجنوب وتقاتلو

  2. داخل السومري

    شكرا لك يا ابن الرافدين-استاذ كريم فخري- رئيس تحرير المدى على نشر هذا التعليق.والآن اناشدك بأسم سومر واكد وبابل وآشور ان تتبنى صحيفتكم الغراء موضوع تغير اسم ذي قار الى سومر واسم محافظة المثنى الى محافظة أكد.ولكم جزيل الشكر والامتنان.

  3. farid

    نعم أستاذ لقد عانينا ذلك كثيرا من تلك المرحلة وهي مرحلة القوميات والتأثر بها عالميا أليس كذلك وبأعتقادي هي بلاشك افضل من سياسات اليوم والتسلط الإسلام السياسي ويا ليته جماعي خذ العر اق دكتاتوريةبأقتدار بل دولة العراق أصبحت ماقبل شيئ أسمه دولة فعلى النخب ال

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram