إلى/ أُنسي الحاج يرحل أنسي الحاج عن المقعد اليومي إلى الشارع العمومي، يبحث عند الروشة ،عن غيمة هبطت إلى روح الماء.. رحلته تشبه أوديسة صغيرة، لكنه لن يعود منها إلا بنيلوب.. ما بين الغيمة والروشة وأصابع الشاعر مساحات من اللذة، إ
إلى/ أُنسي الحاج
يرحل أنسي الحاج عن المقعد اليومي إلى الشارع العمومي، يبحث عند الروشة ،عن غيمة هبطت إلى روح الماء.. رحلته تشبه أوديسة صغيرة، لكنه لن يعود منها إلا بنيلوب..
ما بين الغيمة والروشة وأصابع الشاعر مساحات من اللذة، إذ ظل الشاعر يتوهمها كثيرا منذ أن أدرك أن التاريخ لاعلاقة له بالقصيدة، وأن وظيفة الشاعر هي الخروج من صناديق هذا التاريخ، والسفر باللغة عبر الكثير من المناطيد الاستعارية المتسعة، لكنها مهملة بسبب هيمنة العقل البلاغي على الطرق المؤدية للقصيدة، حتى بات أنسي الحاج مؤمنا جدا بأن الشعر لعبة كبرى، وأن الكلمات تشبه شفرات السيميائيين، لذا بات مسكونا بتركيب الأشياء في القصيدة، الأشياء التي تخص لذته وانسحاره وإغواءه..
الشاعر دخل في متون اللعبة الفادحة، وجاهر بالشغب والضجر ضد التاريخ..
قال بنوع من المباهاة: إن الأرض ضيقة جدا، والرؤية ستضيق حتما، لا شيء هناك سيبرر الفصاحة، أو التعالي، لأن كل شروط اللعبة توحي بالخديعة..
اللغة بيت الكائن تمارس الخديعة معه، تضلله بالاستعارات والمجازات والهروبات حدّ التفلّت من أصابع المعنى..
هل يجوز أن نظل بلا معنى؟ وهل يمكن أن نباغت الآخرين بحروب لا جوائز فيها؟
ما أحسبه جدا، أن الشاعر المباهي بخديعته، سيصدق المحاربين ، وسيقول إن حربه لن تأتي أبدا، لذلك يجوّز للآخرين حروبهم العجولة.
حرب من أجل الخبر، حرب من أجل الماء، حرب من أجل السماء، من أجل الأرض، من أجل التفاصيل الصغيرة وحتى من أجل الأوهام الصغيرة أو الكبيرة لا فرق..
الشاعر في لحظة موت أنسي الحاج- صاحب الكلمات- توقف عن الضجيج، وقال ماذا ستنفع خزائن الكلمات تلك؟
الكلمات لن تتحول إلى أسلحة، لأنها ستكون بمعاطف ثقيلة، والأسلحة عارية جدا.
والكلمات لن توهب صاحبها إلاّ مجدا في المرايا، والمرايا دائما لعبة في الخداع..
أنسي الحاج كان يمارس نوعا من المسيحية المتعالية، علاقته بالمدينة مطمئنة، وبدون خدوش، كل تاريخ خدوشه مع الدجالين من الشعراء والبلاغيين وغيرهم.
وهذا ما يعاكس الكثير من موروث شعرائنا العالقين بصناديق الأوهام ، وعلائقهم بالمدن محشوة بالخدوش والفجائع والكآبات...
القصيدة عند أنسي كانت تضحك كثيرا، وحتى في نوبة خروجها إلى الشارع العام، كانت ترتدي ملابس البحر، لذلك يشتهيها الكثيرون...
الكثير من شعرائنا يكتبون مثلما يأكلون أو ينامون أو يذهبون إلى الحمامات...