أثناء الحرب العالمية الثانية حدثت أكبر عملية في التاريخ لسرقة الأعمال الفنية ، حين سرق الألمان ملايين القطع الفنية النادرة من البلدان التي دخلوها ، حيث استولوا على كل ما تضمّه المتاحف والكنائس وحتى المجموعات الخاصة ، وقد جمعوا هذه الثروات الفنية الهائلة في عدد من المناجم للحفاظ عليها حتى انتهاء الحرب . كادت سرقتهم هذه تمضي بسهولة ، لولا خسارتهم الحرب وتدخل مجموعة من الرجال لإنقاذ ذلك واستعادة القطع الفنية وإرجاعها إلى أصحابها الحقيقيين . هذا حدث حقيقي ، وهو أيضاً ما تناوله الفيلم الجديد ( رجال الآثار الفنية ) الذي أخرجه وقام ببطولته جورج كلوني مع مجموعة من مشاهير هوليوود ، وقد شاهدت عرضه الأول قبل أيام ، حيث تحدث الفيلم عن الحكاية الحقيقية لما حدث . وجاءت العملية بعد تكليف سبعة أشخاص للقيام بهذه المهمة الصعبة ، ممن كانوا يعملون في مجال الفن . وبما أن المهمة تمت أثناء الحرب العالمية الثانية فإن الصعوبة الحقيقية هنا ، تكمن في أن هؤلاء الرجال كانوا خبراء وعلى معرفة بأدق تفاصيل مايكل أنجلو على سبيل المثال ، لكنهم لا يجيدون استخدام المسدسات أو السلاح ، لهذا قتل اثنان منهم أثناء العملية . لقد كانوا بهيئة جنود لكنهم ليسوا كذلك في الواقع ، بل كانوا مدير متحف ومنظم معارض وفنانا ومؤرخ فن وهكذا . قاموا بهذه المغامرة وجازفوا بحياتهم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث كانت هناك أعمال عظيمة ونادرة ضمن الأعمال المسروقة، مثل تمثال مادونا لمايكل أنجلو كذلك أعمال لبيكاسو وريمبرانت ورينوار وروبنز وفان آيك وغيرهم من عباقرة الفن .
قام النازيون بالسرقة بإيعاز وطلب من هتلر الذي قال ( حين ُتفّرغ بلد من فنه ، فإنك تلغي وجود الناس فيه إلى الأبد ) ، هتلر الذي بدأ حياته فناناً يرسم بشكل جيد ، لكنه فشل في إيجاد مكانة له في الأوساط الفنية أو بين أصحاب الغاليرهات وقتها ، فسعى جاهداً في ما بعد للاستحواذ على الفن أو الإطاحة به . وقد فكر هذا ( الفنان السابق ) بجمع كل الأعمال التي يستولي عليها أثناء الحرب ليضعها في المتحف الذي بناه لنفسه وأسماه ( متحف الفوهرر ) في مدينة لينز . على أن يتم إحراق جميع الأعمال الفنية أن خسرت ألمانيا الحرب ، وهو بالفعل ما قام به النازيون حين أضرموا النار في أحد المناجم التي يخفون فيها مسروقاتهم وأتلفوا آلاف القطع الفنية التي لا تقدر بثمن .
ترى بماذا يختلف هتلر الذي سرق الفن وأحرقه ودمره عن طالبان الذين حطموا تماثيل بوذا بالمطارق والديناميت ؟ ربما يحق لنا هنا أن نقلب ما قاله برناردشو ونقول ، نغفر لنوبل ابتكاره جائزة نوبل ولا نغفر له ابتكاره الديناميت . طالبان الذين غطوا ابتسامات وجوه نسائهم بالبراقع ونسفوا ابتسامة وتسامح بوذا،هم لا يختلفون كثيراً عن النازيين برأيي ، وكان الهدف في الحالتين ، هو قتل الجمال والمحبة والتسامح . حب السيطرة والأيديولوجيا العمياء كذلك الغباء اللامحدود ، هو ما يقود إلى تدمير الجمال عادة ، كما يحدث في الحروب .
لكننا سنجافي الحقيقة إن لم نعترف بأن ما حدث في العراق يقع تحت هذه الطائلة أيضاً ، مِن سرقة المتحف العراقي إلى التماثيل الساذجة التي وضعت في مدن العراق ، مروراً بكل التدمير الذي حصل لبعض الأعمال الفنية المهمة ، نتيجة قصد أو جهل وابتذال . كل هذا أيضاً شكل من أشكال تدمير الثقافة والفن .
يا للمفارقة ، الإنسان هو من يصنع الثقافة وهو من يدمرها أيضاً ، بعد أن تختلف مع وجهات نظره أو حين يمتلك النفوذ والقوة .
الفنان السابق أدولف هتلر
[post-views]
نشر في: 21 فبراير, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
علي هادي
دائما مقالاتك في عمودك الاسبوعي باليت المدى تتميز بميزتين مهمتين وهما معلومة جديدة والمتعة اثناء القراءة !