شاكر الأنباري ترتفع أصوات من هنا وهناك تطالب بحرمان الذين يعيشون في الخارج من حقهم بالمشاركة في الانتخابات القادمة. وتسوق ذرائع شتى عن سبب طرحهم المقترح هذا. البعض يعتقد ان تصويت ملايين المغتربين المشتتين في العالم سيكلف الدولة عشرات ملايين الدولارات.
بينما يقول آخرون ان اغلب المغتربين ينتمون الى طائفة واحدة هاجرت بعد زلزال الفين وثلاثة، وهذا الرأي يؤمن ويثق ان الذين هاجروا خارج العراق بعد زوال النظام السابق وأعوانه والأحداث المذهبية التي جرت في السنوات السابقة هم من هذه الطائفة. وهؤلاء على ما يبدو لا يريدون ان يعرفوا، أو يصدقوا، ان هناك اكثر من اربعة ملايين عراقي كانوا في المنفى قبل سقوط النظام. وهؤلاء من كافة المكونات، كانوا ضحية القائد الملهم، وحروبه ومافياته وقمعه وعنصريته التي لم تترك بابا لا لأحزاب ولا لمنظمات، ولا لرأي آخر، حيث اجبر هذا العدد المليوني على الهرب عن طريق ايران وسورية والكويت والأردن، وبعد ذلك رفحا والأرطاوية، ثم منفذ كردستان الذي أحرقته السموم والقنابل. وثمة رأي آخر يقول ان افضل حل لمشكلة هؤلاء هو تخصيص عدد من المقاعد لهم، بما يشبه الكوتا. وهذا الأخير يعطف على اولئك العراقيين عطفا، ويجود عليهم بتلك المقاعد كي لا يزعلوا. وهو لا يدرك ان هناك ملايين الكفاءات الأكاديمية وآلاف المثقفين والفنانين ومئات آلاف الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال، رغم انهم يعيشون في بلدان اوربا والعالم الا ان ارواحهم في العراق. فكيف يجرؤ هذا النكرة، والسياسي الجاهل، على حرمان تلك الكفاءات بقراره الهمايوني هذا؟ الدوافع الحقيقية لمظلمة المغتربين، تكمن على ما يبدو، وراء ذلك. معظم الكفاءات في الخارج لن تصوت لأحزاب طائفية عنصرية جاهلة. ولا لفضلات النظام السابق. ولن تصوت لمن عرف الشعب عنهم الترويج للقتل، أو للفاسدين، أو من ينفذون اجندات دول الجوار او القوى الكبرى. بل تصوت تلك الكفاءات لقادة يحترمون شرف انتمائهم لمؤسسة مجلس النواب التي تقود البلاد الى مستقبل وضّاء. ويمنحون ثقتهم لطاقم وزاري يحاسب المفسدين، ويحرص على العراقيين في أي بلد عاشوا. سياسته الداخلية والخارجية يخضعها الى ما ينفع الشعب او يضره فقط. لا يخضعها لحسابات مذهبية او مناطقية او حزبية. ملايين العراقيين الذين يعيشون في الخارج ليسوا عراقيين اصلاء فقط، بل هم اكثر أصالة من عدد لا يستهان به من المفسدين، والسارقين، والمدعين الحزبيين، والداعمين للارهاب، والساعين لتعبيد الطريق امام الميليشيات والعصابات شبه الرسمية. أي من المتشدقين بحرمان المغتربين من حقهم في التصويت، وحقهم في مناقشة مصير الوطن، ويعطفون عليهم ببعض المقاعد. ولمن يخاف من تكلفة التصويت ذاك، هو ذاته يعرف أن صفقة وهمية، او عقدا كاذبا مع شركة عالمية، يكلف الخزينة العامة مئات ملايين الدولارات. حتى فترة قريبة كان نظام صدام حسين، وطاقمه الاعلامي والسياسي، لا يعترف بوجود عراقيين خارج الحدود، اللهم الا أزلام القتل في السفارات. اما الآخرون فيعتبرهم من المرتزقة الذين يقتاتون على فتات الأجنبي. ورغم بلوغ عددهم في نهاية التسعينيات اكثر من اربعة ملايين، الا انه يشطبهم من حساباته. وكانوا محرومين من الاتصال بأهاليهم، ومن تحويل أي مبلغ لعوائلهم، ومحرومين من الزيارات، ومن ممارسة أي نشاط اجتماعي او سياسي خارج اطار سفاراته. ويبدو ان التاريخ يعيد نفسه مع شلة صغيرة من السياسيين الذين يجعلون من العراقيين في الخارج ورقة انتخابية، وهم ليسوا كذلك. هؤلاء الساسة، مهما كانت ذرائعهم في تقليل حصة المغتربين بمجلس النواب، او حرمانهم من التصويت، او التلاعب بمصائرهم مستقبلا، عليهم ان يخجلوا من مرآة التاريخ حين ينظرون فيها. فهم يعيدون العقلية الصدامية، البعثية، ذاتها الى السلطة.
المغتربون في بورصة الانتخابات
نشر في: 17 نوفمبر, 2009: 04:56 م