بغض النظر عن ادعاء الخارجية الأميركية، بعد لقاء جون كيري ومحمود عباس في باريس، ببلوغ نقطة مهمة في المفاوضات، التي تزعم واشنطن أنها تهدف إلى ردم الهوة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حول إطار للمفاوضات، فإن الواضح أن كيري يمارس ضغوطات كبيرة على الرئيس الفلسطيني، كي يقدم تنازلات حول الترتيبات الأمنية في غور الأردن، ليستطيع تقديم وثيقة اتفاقية الإطار، في حين تتأكد الأنباء عن رفض الفلسطينيين المطلق لكل طروحات كيري، لعدم تلبيتها أياً من مطالبهم، التي يرونها أساساً للموافقة على أي اتفاق، وقد أكد الرئيس عباس أن الدبلوماسية الأميركية، فشلت "حتى اللحظة" في إنجاز أي تقدم نحو اتفاق الإطار.
تؤكد الأنباء أن عباس أعاد تأكيد الموقف الفلسطيني ورؤيته للحل، التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وقرارات المؤسسات القيادية الفلسطينية والجامعة العربية، في حين كان كيري يناور لتمرير أفكار نتنياهو، المتعلقة بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، والقدس والحدود والمستوطنات والأمن واللاجئين، معروف أن مبدأ الاعتراف بيهودية إسرائيل، مرفوض جملة وتفصيلاً، وأن الغموض حول القدس، وهي قضية أساس، يعني في آخر الأمر منح إسرائيل الفرصة لتحقيق هدفها الحقيقي والأساسي، بعدم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لأنه لا يمكن قبول اي حل دون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، أما طروحاته حول التبادل غير المحدود للأراضي والحدود، والمتضمن الأخذ بالاعتبار التغيرات الديمغرافية التي حصلت بإقامة المستوطنات خلال سنوات الاحتلال، فهو ليس أكثر من إسباغ شرعية لكل عمليات الاستيطان، المناقضة لقرارات الشرعية الدولية، وبديهي أن يرفضها الفلسطينيون. كأنّ الغموض الذي غلّف كل الاتفاقات السابقة، والقرارات الدولية ذات الصلة ليس كافياً، حتى يأتي كيري بمقترحات حمّالة أوجه، وكأنه يسعى لإغراق الموضوع في سلسلة من التفاوض العبثي، حول تفسيرات كلا الجانبين لها، ذلك واضح في اقتراحاته حول الأمن، بمعناه المتعلق بإسرائيل فقط، واللاجئين الذين يتكرم الوزير الأميركي بشطب حقهم في العودة، وإعفاء نتنياهو ودولته من أي مسؤولية عن قضيتهم، ووجوب حلها وفق القرار 194 ، الذي ينص على العودة او التعويض، وصولاً إلى التكرم بإعادة عدد من اللاجئين إلى إسرائيل، بناءً على القوانين والسيادة الإسرائيلية، غير أن كل هذا النفاق الأميركي لم يدفع عباس للتخلي عن استراتيجيته السلمية، الساعية للتوصل إلى صيغة تلبي حقوق شعبه، بمواصلة اللقاءات وعدم الانسحاب من عملية التفاوض مع كيري، التي يدعو إليها بعض المستجدين على العمل السياسي، أو أصحاب الأجندات المشبوهة.
بالتأكيد لا يملك أي مسؤول فلسطيني ترف المضي في التفاوض، على طروحات ينبغي على أي وسيط الأخذ بالاعتبار، أنها تنسف كل نضالات الشعب الفلسطيني، وتقضي على آماله بإنشاء دولته المستقلة، لكن المؤكد أيضاً ان محمود عباس والسلطة، ومعهما منظمة التحرير الفلسطينية، لا يملكون اليوم خياراً آخر، بعد أن تركهم "أشقاؤهم" العرب وحيدين في ساحة، سواء كانت حرباً أو سلاماً، في حين تبتلع المستوطنات كل يوم بعضاً من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، وعباس في وضعه الحرج لا يستطيع ولا يرغب بشطب تاريخه النضالي، الممتد لأكثر من خمسين عاماً، ولذلك فانه سيظل قابضاً على جمرة طموحات شعبه، ولن يقدم تنازلات مجانية لصالح تعنت نتنياهو، المدعوم بأفكار كيري الغامضة، والمريبة والمرفوضة بالتأكيد.
قبل حوالي أربعين عاماً صرخ الشهيد كمال ناصر في بيروت " يا وحدنا "، وما زال صدى صرخته يتردد في الآفاق العربية، لكن الآذان الصمّاء لا تسمع، أو لا تريد أن تسمع.
هل يقبل عباس ويتنازل ؟
[post-views]
نشر في: 22 فبراير, 2014: 09:01 م