ليس من المعقول اطلاقا تصور إمكانية إقامة منتجعات سياحية في المقابر ، وفي حال اقدم مستثمر على هذه الخطوة في العراق مثلا فانه يعد بنظر الآخرين مجنونا ، ومن الافضل له وحفاظا على أمواله ان يقوم بانشاء ورشة بجوار المقبرة لإنتاج ماء الورد ، او افتتاح أسواق لبيع البخور والزهور الصناعية ، وأمام المستثمر صاحب فكرة إنشاء المنتجع فرصة اخرى بتأسيس شركة لنقل زوار المقبرة بستوتات حديثة تتمتع بمواصفات الجودة ، توفر لكبار السن فرصة الوصول الى قبور موتاهم من دون التعرض لارتجاجات وهزات واحيانا دفرات نتيجة سلوك طرق ملتوية ومتشعبة.
فكرة إقامة منتجع سياحي في مقبرة فرضية مؤجلة وقد تكون مستحيلة ، فليس بين رجال الأعمال من يرغب في خوض هذه المغامرة على الرغم من ان بعضهم انشأ فنادق 5 نجوم تطل غرفها على مقبرة وادي السلام في النجف ، ومن المؤكد ان من توفرت له فرصة المبيت في تلك الفنادق لم يفتح ستار نافذة غرفته في ساعة متأخرة من الليل او في الصباح الباكر ليرى منظر القبور ، الممتدة نحو الأفق البعيد .
مقبرة الكرخ الواقعة غربي العاصمة بغداد تحولت مؤخرا الى "منتجع سياحي" على حد وصف اعداد كبيرة من شباب منطقة ابي غريب وخان ضاري والحصوة ، اضطروا الى اللجوء للمقبرة اثناء تنفيذ الأجهزة الأمنية حملات مداهمة وتفتيش بحثا عن مطلوبين، والشباب بعد تلقيهم اتصالات هاتفية من ذويهم يتوجهون الى منتجعهم لحين انتهاء الحملة ، فيقضون ساعات طوال في المقبرة ، ثم يعودون بإيعاز يأتي عن طريق اتصال هاتفي.
لجوء الشباب الى المقبرة اصبح ظاهرة في مناطق ابي غريب تناولتها وسائل إعلام عربية وأجنبية مشيرة الى افتتاح مقاه ومطاعم ومحال بيع بطاقات تعبئة رصيد الهواتف ، تنقصها أماكن مناسبة لمبيت الخائفين من الاعتقال لتتحول الى"منتجعات" ، ولاسيما ان مقبرة الكرخ ، حظيت باهتمام حكومي كبير سابقا ، فتم تعبيد طرقها الداخلية وتشجيرها وإقامة الحدائق في مساحات كبيرة منها ، فتميزت عن المقابر الاخرى بامتلاكها مواصفات ترشحها لتكون منتجعا سياحيا ، بعد انتهاء حملات المداهمة والتفتيش ، واعتقال المطلوبين المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية .
"مقبرة الكرخ الإسلامية " المعروفة بهذا الاسم ، وفرت للخائفين من الاعتقال فرصة ان يكون احدهم خبيرا في معرفة مواقع مدافن شخصيات سياسية ومسؤولين سابقين ، ومنهم الرئيس العراقي الأسبق احمد حسن البكر ، ورئيس الوزراء طاهر يحيي فضلا عن قادة عسكريين ، وأساتذة جامعة وأدباء وفنانين وأطباء، وبما تضم المقبرة من شخصيات عراقية كان لها الحضور المؤثر في الحياة العراقية ، قد تجعل الشاب الخائف من الاعتقال دليلا في المنتجع السياحي المفترض ليقدم شهادة واقعية عن زمن عراقي علامته الفارقة التعاسة ، واتساع مقابره بمعدلات ربما تفوق سجلات عزرائيل.
منتجع "مقبرة الكرخ"
[post-views]
نشر في: 22 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
ماذا قدم السلطويون ألطارؤون للشعب العراقي من أنجازات ومشارع تنموية وتسامح مجتمعي ..؟ لم يقدوا سوى تمزيق المجتمع العراقي ومرض الطائفية وسرقة المال العام وألأعتقالات وألأعدامات والسجون وتزوير الشهادات وتعين أقربائهم في الوظائف العامة دون أستحقاق وألأستحواذ