TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تذكرتُ اليوم.. عبد اللطيف الراشد

تذكرتُ اليوم.. عبد اللطيف الراشد

نشر في: 17 نوفمبر, 2009: 05:04 م

ياسين طه حافظ يصلح هذا الإنسان لان يكون بطل قصة، من تلك التي تتحدث عن السقوط من النقاء الموروث في الريف والاكواخ والتعاسة اليومية المقبولة، على مضض، الى القاع العفن للمدن الفاسدة حيث البغاء واللصوص والمدمنين والمشردين والباحثين في اكوام القمامة عن شيء يلمع يمنحهم بهجة او خيبة.
هذا الرجل صناعة خاصة. لم يشأ ان يفقد جوهره، من مناطق الكذب والدعارة بل راح يبحث عن جوهر ومعنى لحياته في تلك. وهكذا تاه عبد اللطيف الراشد ولم يشأ ان يخرج من تيهه. ظل شخصية يتوزعها الشارع القذر المزدحم وفروعه السرية المعتمة والعوز والكأس المر والامنية التي أكتست لحما. ومع هذه كلها، وفي تلك الاجواء كان يقتنص دقائق للكتابة. كتابة نزقة حادة، منكسرة وفيها وجع مدمر لا يُرى. لم تكن كتابته للكتابة. كان يتبادل فيها الكراهة والحب واللامعنى والاعتزاز العميق بالحياة، هذه الحياة الجارحة التي تتربص به وهو يتربص بلذائذها ومتعها الطارئة. كان يستوقفني قرب ساحة الميدان، قريبا من "سوق الهرج". ولهذين المكانين دلالات. فقد كان قريبا من هذا المكان مبغى بغداد الكبير. وقريبا منهما باعة العرق، وسوق الهرج، سوق بغداد العتيق حيث يبيع السرّاق ما حصلوا عليه ويبيع المحتاجون اشياءهم وقد يكون هنا نشّالون ليس لديهم ما يبيعونهم ويبحثون عن خبز اليوم وعرق الليل القادم. وأنا في الطريق الى شارع المتنبي يلتقيني عبد اللطيف الراشد. في هذا المكان يعانقني بمحبة وكأنه يريد ان يفيض علي أشعاره واحزانه. كان يكتم الصراع ويبتسم، لكن لا يغيب عني الانكسار الموجع والمحنة. يوما حياني بحزن جاف. قبلني وقال: اتعرف ما فعلتَ؟ كلفتني. نصف زجاجة اوقفت دموعي بها بعد قراءة قصيدتك الاخيرة. احسست انك تحدثتَ عن منطقة من نفسي لا فرصة لكشفها. القذارة في كل مكان واللذة في كل مكان، وأنا قسمتي الميدان وسوق الهرج. لا أستطيع ان اعيش في مكان آخر-وهل يستطيع أي مكان آخر أن يحتفي بأمثالي؟ كان متعبا وأكثر شحوبا مما عهدت، وثمة جرح على الطرف الايسر من جبهته، قد يكون حادثا او نتيجة مشاجرة. ما أردت احراجه بالسؤال عنها. عاد يصافحني مرة ثانية بألم مر، وأخرج كتاب اشعاره "نزق" ليكتب لي عليه: الى الإنسان الكبير............ من أعزل عاش محنة سنوات الصبر والحريق..... وجب علي الان ان احيي المبدع الكبير، صديقنا الاستاذ علي بدر على مقدمته لـ"نزق"، فقد غسل احزان الرجل وأذاقه رشفة نقية بلت ظمأه قبل ان يطبق عينيه ويغادر الحياة.. لنقرأ معاً قول عبد اللطيف، كم موجع هذا الحزن وكم جارحة قاسية هي احزاننا: "اعترف انني إنسان لا شفاء له. غير منظم، مبعثر، عشت حياة تشبه حياة ضفادع في مستنقعات عفنة"...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram