في أواسط السبعينات، وفي أمسية صيفية، كنا مجموعة من الطلبة نخف إلى حديقة نادي التعارف القريب من القصر الأبيض آنذاك، يوم كان هذا النادي مكاناً لأهم النشاطات الثقافية في بغداد.. والمناسبة أمسية يتحدث فيها يوسف العاني عن تجربته.. تكتظ الحديقة بضيوف الأمس
في أواسط السبعينات، وفي أمسية صيفية، كنا مجموعة من الطلبة نخف إلى حديقة نادي التعارف القريب من القصر الأبيض آنذاك، يوم كان هذا النادي مكاناً لأهم النشاطات الثقافية في بغداد.. والمناسبة أمسية يتحدث فيها يوسف العاني عن تجربته.. تكتظ الحديقة بضيوف الأمسية، الذين لم تستوعبهم مقاعد الحفل، فقضوه وقوفاً، أما نحن فقد اعتلينا جدار النادي لنتابع تفاصيله.
ها نحن إذن نحظى بلقاء يوسف العاني، وهذه المرة بشكل مباشر، لا عن طريق شاشة السينما أو التلفزيون أو خشبة المسرح، بالنسبة لي لم يكن يوسف العاني بالغريب.. فلطالما صادفته في أزقة الكرخ بلبوس أكثر من شخصية عايشتها في هذه المحلة العريقة.. ومنها والدي القريب الشبه منه.
اعتاد يوسف العاني أن يقتطع من التقويم يوما بعينه، يوقد فيه شموع الاحتفال، والغريب انه ليس يوم ميلاده.. أما التاريخ فهو الرابع والعشرون من شباط.. ففي مثل هذا اليوم قبل اكثر من ستين عاما، اعتلى العاني خشبة المسرح أول مرة، مؤرخا ولادته الحقيقية، ولادة مسرح عراقي اكتسب ملامحه المميزة وخصوصيته وتقاليده مع رهط من المسرحيين لينهضوا به متبوئاً مكانته العربية والعالمية، وهل لمؤرخ أو دارس لمسيرة هذا الفن ان يغفل بصمات هذا الفنان الذي نذر نفسه متعبداً في محرابه؟
يوسف العاني ذاكرة جيل اشهر حبه للفن عند تخوم زمن كانت المجاهرة فيه لعنة، والعمل فيه خطيئة تستحق الرجم، فكيف اذا امتشق هذا الفن سيف التحريض والتغيير؟
ما زالت كلماته في تلك الأمسية وهو يرد على من يدعي خروج المسرح عن جادته في الأذهان وهو يقول: إن المسرح العراقي بدأ ملتزماً وسيبقى.
فنان متعدد الاهتمامات، ذلك ان الفنان الحقيقي يسعى إلى بلورة تصوراته بطرق عدة، فيكون شديد اليقظة مع وجود طاقة شديدة وحالة عالية من التوتر والاستثارة تدفعه إلى المواصلة والاستمرار برغم العقبات ... مسرح، سينما، تلفزيون، كتابات نقدية يمارسها، وفي الأفق هدف سام يأمل الإمساك به من (سوق حمادة) في الكرخ ولم تنته المحاولة بعد.
يوسف العاني عالم تنوعت تضاريسه، وويل لرحالة يجوب فيه لا يتزود بمتاع الموضوعية والإنصاف كي يستكشف غناه وعمقه ليخرج بخريطة تزدحم فيها الخطوط والمنحنيات بين مسرح راس الشليلة، والبيك والسايق والنخلة الباسقة التي يتلذذ من طعم رطبها الجيران، وسينما سعيد أفندي وأبو هيلة، ويوم يوسف شاهين السادس، مروراً بالتلفزيون حيث ثابت أفندي ورائحة القهوة.. وكتابات تناثرت في زوايا الصحف والدوريات تؤكد عمق التجربة ونقاء الانطباع.
وأخيراً هو سفير تأبط أوراق اعتماده جوال فوق العادة في المؤتمرات والملتقيات، ومتوجا كرائد من رواد المسرح العربي والأفريقي في قرطاج.. صداقات وعلاقات كانت جسر محبة مع ملل وأجناس مختلفة.
يوسف العاني في 24 شباط دراما شعبية وعملة صعبة جديرة بالمحبة والتذكر.