هل يوسف العاني هو وارث المسرح العراقي الحديث فن صناعة الكتابة للمسرح ؟ قد تكون بعض الأجوبة بالنفي ، إذن من هو الذي سبق العاني [عراقيا] في كتابة المسرحية جيدة الصنع ؟ يقول العاني ومن قبله إبراهيم جلال انه : صفاء مصطفى ، ورغم عدم اختلافي معهما ، ولكن ل
هل يوسف العاني هو وارث المسرح العراقي الحديث فن صناعة الكتابة للمسرح ؟ قد تكون بعض الأجوبة بالنفي ، إذن من هو الذي سبق العاني [عراقيا] في كتابة المسرحية جيدة الصنع ؟ يقول العاني ومن قبله إبراهيم جلال انه : صفاء مصطفى ، ورغم عدم اختلافي معهما ، ولكن لأني ابن المسرح العراقي لما يقارب الأربعين عاما . ما شاهدت عرضا مسرحيا واحدا للرائد صفاء مصطفى . وعليه لا يحق لي تصنيفه على كتاب المسرح . إذن : لا أحد بالمواصفات التي حددناها ، أسبق من العاني كاتبا ، وعليه لا يحق لنا تصنيفه على كتاب الدراما في المسرح . وبالتالي : لا يحق لنا أن نصنف وفقا للمعايير التي حددناها غير يوسف العاني . إضافة إلى ما يتمتع به من صفات منها انه:
*) [رجل مسرح بحق] : كاتبا ، وممثلا ، ودرماتورجيا ، ومربيا .
*) من القلة التي استثمرت مخزونها المعرفي ، أفكارا وحكايا وقصا متراكما ، وما رافقه من ذكريات غنية ، وأجندة خزنت الكثير من المدونات الخاصة التي أرخت لحقب عاشها العاني ويعيها بأمانة . فاستثمرها وصاغها بحذاقة الحريف .
*) حين يكتب فإنما يكتب على مقاص شخوص ممثلي فرقته ،فرقة المسرح الفني الحديث *) هو افضل من يكتب أدواره ، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون – احيلكم إلى رصيده الثر من المسرحيات والأفلام السينمائية والتلفزيونية لتقفوا على حقيقة ما أقول. *) وتبقى التساؤلات : - لماذا هو قريب إلى الجمهور بالشكل الذي نعرفه ؟؟
- لماذا كان يقلده الآخرون في التمثيل والكتابة ؟؟
- لماذا قدمت مسرحياته في بعض دول العالم دون غيره ؟؟ ولماذا - - لماذا تناولته الصحافة ووسائل الإعلام والنقاد والباحثون اكثر من غيره ؟؟
- لماذا أخذه طلبة الدراسات العليا أنموذجا وعينة مهمة من عيناتهم في التأليف أو التمثيل أو رجل مسرح ؟؟
ومن المؤكد أن كاتبا بمثل هذه المواصفات ، لابد لنا من الاطلاع على كامل إرثه المسرحي ، أردنا ذلك أم لم نرد . ولأن ذلك يحتاج منا وقتا أطول كإجراءات بحثية . ولذلك سنحاول أن نصب حديثنا على عينات قصدية اخترناها من مسرحياته لاعتبارات منها : إنها بلغت نوعا من التكامل ، وتصلح للبحث والتحليل اكثر من غيرها ، مثل مسرحيات : [المفتاح ، الشريعة ، الخرابة ، الجومة ، الخان وأحوال ذلك الزمان ، خيط البريسم] ، وربما سواها . لقد تنوعت مسرحياته فاحتملت التأويل ، حين ثارت على الصيغ القديمة . لاسيما ونحن نعرف بأنه لم يمتهن التأليف إرضاء لمزاج عابر ، وانما كانت مواضيعه استجابة لصدى آلام ومعاناة شعبه والإنسان أينما كان . فحاكاها باقتدار . وعلمية تسندها تجربته الطويلة التي مكنته من بلورة خواصه في الكتابة .
فرقة المسرح الفني الحديث :
تزامن ظهوره قبل تأسيسها عام 1952(**) بسنوات قليلة ، فكان أبرز مؤلفيها وأغزرهم إنتاجا على الإطلاق . لقد تميزت فرقة المسرح الفني الحديث بأنها نقلت لغة المسرح نصا وأسلوب عرض [من] التقليدية البسيطة ، من مجرد العرض show ، [إلى] :
*) رحاب المسرح الملتزم ذي الأصول المعاصرة لغة والتزاما وتوازنا وأسلوب تفكير ، الرافض لكل ما هو سائد ومكرور . وهو ما جعلها قريبة من الناس بأنواعهم ، حاكتهم بمختلف ثقافاتهم فأصبح لها جمهورها الخاص والمعرف باسمها [جمهور الحديث] .
*) يضاف لها فضل الخروج بالمسرح العراقي إلى الخارج ، وبهذا كانت أول فرقة مسرحية خرجت بالمسرح إلى خارج العراق .
*) وقدمت سلسلة من التجارب وفق نظام تكاملي واكتفاء ذاتي . فلم تستعن بالطاقات من خارجها إلا ما ندر وعند الضرورات القصوى .
*) أثرت بإيجابية على أجيال من المسرحيين ممن توارثوا نهجها وتقاليدها في تراتبية منهجية وتربوية جيلا بعد جيل وفي كل التخصصات .
وحتمت علينا التوأمة الخلاقة بين [العاني] و [فرقة المسرح الفني الحديث] أن نتناولهما معا ، فمن الصعب جدا أن نتناول أحدهما بمعزل عن الآخر . لأن ما كتبه العاني من مسرحيات كان من حصتها في التقديم على المسرح . ولأنهما شكلا وحدة أسلوبية وفنية جعلتهما يتسلسلان معا بمنطقية ابتداء : من مسرحية [راس الشليلة] ولم تنته بآخر مسرحياته [سالوفيات](2) . وهي صيغة لـ[الحكاية – السالوفة] حسب وصف مؤلفها ، و[السالوفة] بالمعنى العراقي الدارج هي : [الحكاية] . ومن هذه الحكايات ، كانت [زعفران] ، كتبها بداية كقصة قصيرة ، ثم نشرها باسم [مرجانة] ، وقدمها المخرج الراحل [طارق عبد الكريم]فيلما سينمائيا حين كان طالبا في معهد السينما بموسكو ، كجزء من متطلبات أطروحته في نيل الشهادة العليا . بعد ذلك أعاد العاني كتابتها إلى مسرحية في عام 1987 . ومن السالوفيات أيضا حكاية [أنيسة] – لا موجب لتفصيلها- التي نشرتها مجلة [الأدب الشعبي] عام 1998 . ومن السالوفيات مسرحية [جيقو] التي قدمتها فرقة المسرح الشعبي عام 2000 في المتحف البغدادي - أجهل تفاصيلها .
ولما كان العاني مزيجا من عذابات إنسانية متنوعة ، تجده سخر لها كل ما كتب بلا استثناء . ولأنه مولع بالهم الإنساني تراه متأثرا عن دراية ، بالأدب الروسي والسوفيتي في ما بعد . المتمثل بآثار كبار كتابه من أمثال تشيخوف ، غوغول ، غوركي ، تولستوي ، وسواهم . ولعل من مقولة غوركي التي كانت سببا في كتابته لمسرحية [ آني أمك يا شاكر] ، فدون جزءا من مقاطعها بعد أن أهدى غوركي مجموعته المسرحية الأولى [مسرحياتي] . هذه المقاطع كانت من حوار [الأم] ، الرواية الشهيرة لغوركي ، التي يقول فيها :
هل تعلمون لماذا قدموا ابني ومن معه إلى المحاكمة ؟ لسوف أقول لكم لماذا ..
وانتم ستصدقون قلب أم وشعرها الشائب . لقد قدموهم إلى المحاكمة بكل
بساطة يقولون [الحقيقة] لسائر الناس ..(3)
والحقيقة هي الصدق الذي يدو إليه الواقعيون الاشتراكيون . ومنهم العاني ، مثلما حددتها وعاشها وعانى منها مع مجتمعه ثقافة ومنهجا ومعاناة . والذي تجدر معرفته ، يضاف إلى ذلك الصدق محاولته في تقريب النص الى جمهوره ، الأمر الذي دفعه إلى كتابة الغالبية العظمى من نصوصه باللهجة المحلية الدارجة . ولما سئل عن أسباب ذلك أكد عدم ميله الكبير للهجة الدارجة ، ولكنه يكتب بها عندما يكون المقصود من ورائها الإضافة للمسرح ولكي توصل المعنى بسهولة إلى الناس الذين جلهم من الأميين ، من الذين لا يحسنون القراءة والكتابة وإلا ما جدوى المسرح بلغة تتميز بالعظامية دون أن تصل إلى الناس إذا ما اتفقنا وهو رأي سائد : بأن الحوار هو ليس كل المسرح . وبالتالي فما الفرق بين لغة لا توصل ما تريد حين تكون غريبة على السامع – على أن نعرف بأن أكثر من نصف الشعب العربي من الأميين - واللهجة التي توصل أغراضها إلى المتلقي . ولدينا الدليل في مسرحية [بونتولا وتابعه ماتي] التي قدمت باسم [البيك والسايق] و باللهجة المحلية ولم تقدم باللغة العربية الفصحى . قال عن لغتها الناقد السوري رفيق الصبان : إنها كانت " أكثر حرارة من النص الفصيح الذي سبق لفرقة لبنانية أن قدمته في حلب – لنفس المسرحية – دون أن تحوز نجاحا ما "(4) ، ولا بد من الإشارة إلى أن العاني قد مثل فيها دور [بونتولا ، أو ، البيك] بنجاح كبير ، بل يعتبر واحدا من أهم أدواره في المسرح.
جميع التعليقات 1
اأبو أثير
شخصيات من أمثال الأستاذ الفنان العاني ..لا توجد لها مكان وأشعاع فني حضاري وعطاء ملهم ومتنور في الساحة الفنية العراقية وآثر على نفسه ألأنزواء..لأن البيئة والساحة الفنية لاتليق بشواخص من أمثال العاني وكثيرون غيره..وسأترك لك مثال واحد لاغير على رداءة المسوؤل