بعد اتفاق أرضى البعض وأغضب كثيرين، وفجأةً، غادر الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش مقر إقامته الرئاسي، وغادرت غريمته زعيمة المعارضة تيموشينكو سجنها الذي دخلته قبل عامين، بعد محاكمة سياسية على حد وصف الاتحاد الأوروبي، وفي شرق البلاد المحاذي للحدود الروسية، أعلن أنصار الرئيس الرافض للتنحي ولما وصفه بالانقلاب، عدم اعترافهم بالبرلمان وقراراته، ما يبعث المخاوف من تقسيم البلاد، بعد اجتماع عُقد في خاركوف، العاصمة القديمة لأوكرانيا، وأعلن فيه أنصار الرئيس الموالي لموسكو استعدادهم للقتال، وطالب بعضهم بتشكيل فرق المتطوعين، وإعادة ضباط وجنود الجيش السوفياتي السابق إلى الخدمة لحماية النظام، في حين تواجد في المدينة، رئيسا لجنتي الشؤون الخارجية في مجلسي الدوما والاتحاد الروسيين، إلى جانب محافظي المقاطعات والأقاليم الروسية المجاورة لأوكرانيا، ومن وسط كييف، وأمام عشرات الآلاف، حيّت المعارضة الأوكرانية تيموشنكو أبطال أوكرانيا، طالبةً منهم عدم مغادرة ساحاتهم، قبل إنجاز المهمة بشكل كامل، وإذا لم يُعاقب الذين قتلوا، والذين أعطوا الأمر بالقتل، بأكثر العقوبات قساوة، فسيكون ذلك بمثابة عار أبدي.
كان معارضو يانوكوفيتش طالبوا باستقالته الفورية، وتحميله مسؤولية إراقة دماء الشعب الأوكراني، إذ قتل نحو 100 شخص، أطلقت عليهم قناصة الشرطة النار من أسطح المباني، خلال عملية فضّ الاعتصام، وعقب انسحاب الرئيس من كييف، أعلن رئيس البرلمان استقالته، وانسحب 40 نائبًا من الحزب الحاكم، وانتخب أعضاء البرلمان رئيساً جديداً لهم، وعينوا وزيراً للداخلية، ليتولى أمن البلاد، حتى تتشكل حكومة ائتلافية جديدة، والرجلان من صفوف المعارضة. خذل الجيش الرئيس الذي كان يعلق آمالاً كبيرةً على تدخله وحسم الموقف لصالحه، لكن وزارة الدفاع أعلنت أن الجيش لن يتورط بأي شكل في النزاع، بينه وبين معارضيه، وأن الجنود سيظلون أوفياء للشعب الأوكراني.
موسكو التي تلقت الصفعة، وكانت الحليف الأبرز للرئيس المُترنح، لم تتأخر في إعلان موقفها المندد بمعارضيه، واتهامهم بعدم الوفاء بأي من التزاماتهم، وخضوعهم للمتطرفين المسلحين اللصوص، الذين تشكل أعمالهم تهديداً مباشراً للنظام، وحذرت من تهديد لسيادة البلد، في حين رحب البيت الابيض بالإفراج عن المعارضة تيموشنكو، التي ظهرت في الساحة الرئيسية للعاصمة على كرسي متحرك ، مذكراً بأنه يعود للأوكرانيين أن يقرروا مستقبلهم بعد قرارات البرلمان، التي جعلت الرئيس يانوكوفيتش بحكم المُقال، ودعا إلى وقف العنف من الجانبين، والتركيز على حوار ديموقراطي سلمي وفقا للدستور، ووعد بالعمل مع روسيا والمنظمات الأوروبية والدولية، بهدف دعم أوكرانيا لتكون مزدهرة وموحدة وديموقراطية.
يحلو للبعض المقارنة بين سوريا وأوكرانيا، استناداً إلى عدة معطيات، من قبيل سعي النظامين لعسكرة الثورة، وإظهارها مؤامرة على النظام، وبثت المجموعات الأوكرانية، المؤيدة للعلاقة المتميزة مع روسيا، أخباراً تزعم أن الثورة مدفوعة الأجر من الأميركيين والأوروبيين، الذين يريدون زعزعة الاستقرار في البلاد، من أجل انتزاع السلطة، تمامًا كما حصل في سوريا، حين روّج نظامها أن مؤامرة كونية تهدد الأراضي السورية، وهو يقف في وجهها سداً ممانعاً، كما لجأ الطرفان لاستخدام المصطلحات عينها، فتردد تعبير الأجندات الخارجية في كييف كما في دمشق، الفارق الأبرز أن المأساة السورية أسفرت عن 140 ألف قتيل دون تبين أفق لحلها، بينما أدى مصرع 100 أوكراني إلى مغادرة الرئيس العاصمة، ليتحصن في شرق البلاد، حيث يتعاظم النفوذ الروسي، رافضاً التنحّي والاستقالة وقرارات البرلمان، وهو بذلك يؤسس لتقسيم النفوذ في بلاده بين الأوروبيين والروس، مستنسخاً التجربة الألمانية العتيقة.
هل كان ممكناً للرئيس السوري القيام بخطوة مماثلة، أو هل يتعلم الدرس من يانوكوفيتش؟
بين سوريا وأوكرانيا
[post-views]
نشر في: 23 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
وهل في التاريخ من عربي يتنازل عن العرش ويترك الشعب يقرر مصيره هذا يحدث عندما يغادر عقليته القبلية يبقى العربي اسير تلك العقلية وهل يستطيع فعل ذلك لااعتقد