مع اقتراب عام 2012 على النهاية يكون العراق قد سجل رقما جديدا على الصعيد الدولي. الرقم الجديد لا علاقة له بالنفط بالتأكيد، ولا بالفساد الإداري الذي فاق الحدود مع الأسف. اننا، يا جماعة الخير، أصبحنا ننافس الصين وايران في معدلات الاعدام ونقترب رويداً من وضع السعودية وراء ظهورنا، حسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي اصدرته الاسبوع الماضي.
التقارير تتحدث عن تنفيذ الحكومة 119 عملية اعدام خلال هذا العام، منها 23 حالة منذ بداية الشهر الجاري، والرقم مرشح للزيادة فيما تبقى من سنتنا هذه، اذ من المرجح ان تتصاعد وتيرة الاعدامات كلما اقترب "قانون العفو العام" من الاقرار، على الرغم من عدم تضمنه فقرات تستثني المحكومين بالاعدام فيما يتعلق بجرائم الارهاب.
العراق التحق بقوة هذا العام بقائمة الدول الاكثر تنفيذا لعمليات الاعدام بعد الصين، 5000 حالة سنويا، وايران 317 حالة، والسعودية 143 حالة. وبعد ان كانت حالات الاعدام تتم ببطء في الدورة البرلمانية السابقة بسبب تشدد وتعنت هيئة الرئاسة آنذاك باعضائها الثلاثة، جلال طالباني وعادل عبدالمهدي وطارق الهاشمي، بالمصادقة والتوقيع عليها، باتت الاعدامات تمر بيسر وسهولة خصوصا بعد تخويل الرئيس صلاحياته لشؤون الاعدام وايكالها لنائبه "الاوحد".
الاحصائيات تتحدث عن وجود 1000 معتقل بانتظار المشنقة بينهم نحو 400 من جنسيات عربية واجنبية، وهذا بالتأكيد قد يضعنا في صدارة لائحة الدول الاكثر اعداماً، وبذلك نتفوق حتى على جارتينا الشرقية والغربية.
وبعد ان حذرت هيومن رايتس مطلع العام من سرعة انزلاقنا في هاوية الاستبداد والديكتاتورية، هاهي المنظمة الدولية المعنية برصد حقوق الانسان وانتهاكاتها تؤكد انزلاقنا في هاوية جديدة هي "غواية القتل" ولا فرق بين الهاويتين والغوايتين.
وفي مؤشر يعكس فقدان البوصلة، وتشوه وجهنا الديمقراطي، فان النظام الحالي بات يقدم يوميا الدليل تلو الاخر على نكوصه داخليا وخارجيا، فمن ازمة مكوناته السياسية التي لم تتوصل الى حل منذ انتخابات 2010، وليس اخرها الحكم بالاعدام الذي يلاحق طارق الهاشمي، الى السعي الحثيث لعسكرة المجتمع وتكديس السلاح وتشكيل نظام يقوم على القبضة البوليسية. يضاف الى ذلك كله مواقفه من الوضع في سوريا وتماهيه مع السياسية الايرانية الداعمة لبقاء نظام الاسد الذي يوغل في دماء شعبه.
ومع اصرارنا على تنفيذ احكام الاعدام بهذه الكمية والوتيرة المتصاعدة، رغم مطالبة المنظمات الدولية بان تجرى وسط ظروف شفافة ان لم يكن بالامكان وقفها، نكون قد اعطينا العالم مؤشرا اخر للارتياب والتوجس من طبيعة نظامنا الآخذ بالتشكل والذي لن يكون محل اعتماد وثقة العالم المتحضر، بعد أن عاد الى "رفقة السوء" في الشرق ليدجج نفسه بسلاحهم.
هنا يحق للمراقب والمهتم بسمعة البلاد ان يتساءل بماذا سيستفيد النظام فيما لو اصر على تنفيذ 1000 عملية اعدام اكثر من نصفها ستطال عراقيين لا نعلم ظروف اعتقالهم وطبيعة الاعترافات التي ادلوا بها، لا سيما في ظل حديث متواصل عن انتهاكات خطيرة يتعرض لها الموقوفون في معتقلات وسجون تفتقد لمعايير المهنية من دون اعطائهم ابسط حقوقهم المدنية احياناً. كما يتساءل البعض عن الفائدة التي سنجنيها من الاصرار على مواصلة مسلسل الاعدامات في بلد يعيش ازمات داخلية وخارجية لن تحلها آلاف الاعدامات التي قد يطالب بها الكثير من ضحايا العمليات الارهابية والمكتوين بنارها وهم محقون في ذلك، فالانتقام طبيعة انسانية لكنها لا تنتمي لمنطق الدول بالتأكيد.
مبدأ "المصالح والمفاسد" يقول ان تنفيذ احكام الاعدام بهذا العدد الكبير لا ينطوي على فائدة اصلاً، فبعد استئناف العمل به، منذ ان اوقفه الحاكم الاميركي بريمر، لم يؤد ذلك الى ردع الجماعات المسلحة عن الاخلال بالنظام وزعزعة استقرار الدولة ومحاربة النظام الجديد، بل ان التجربة والمنطق يؤكدان انك لن تجني شيئا من اعدام شخص جاء ليقتل نفسه في مواجهة مع نظام لا يعترف بشرعيته اصلا، لانه يؤمن بفكرة لا يردعه عنها الحكم بالموت والتلويح بالنطع والسيف.
اذن لنأتي الى المصالح والمكاسب التي ستجنيها الحكومة من الغاء حكم الاعدام او تخفيفه الى السجن المؤبد بالنسبة للمحكومين العراقيين، وهي مكاسب كثيرة بطبيعة الحال اذا ما تمت قراءتها بعقلانية. أول تلك المكاسب اننا سنحصل على "مصالحة حقيقية" داخلية من شأنها توسيع دائرة الشرعية التي يعاني منها النظام السياسي الحالي والتي تمثل جوهر مشاكلنا وازماتنا منذ 2003، وثانيا سيؤدي ذلك الى تحسين سمعة البلد دوليا والمساعدة على انفتاح العالم الديمقراطي عليه لانه سيكون جزءا من مجتمع يؤمن بحقوق الانسان وكرامته ويضعها في صدارة اولوياته.
اما بالنسبة لمئات المحكومين الاجانب لا سيما العرب منهم فيمكن تسوية هذا الملف عبر صفقة واضحة تعيد هؤلاء الى دولهم، وتوريطها بعودتهم، والحصول على مكاسب سياسية وامنية وحتى اقتصادية تعيدنا الى قلب المنطقة بـ "وجه ابيض" ومن الابواب الواسعة من الدون العودة لاستخدام المقاصل والمشانق وكل مشتقات الموت الرحيم او الرجيم.
هل سنفعل؟ اتمنى ذلك.
قصة "اعدامات" معلنة
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2012: 06:38 م