TOP

جريدة المدى > عام > التجريب وحركية الإبداع

التجريب وحركية الإبداع

نشر في: 24 فبراير, 2014: 09:01 م

يُميز ألكسندر كويري بين التَّجربةِ والتَّجريبِ، كون التَّجربة جزءاً مِنْ المعرفة الَّتِي تسبق العلمية بسبب خلوها مِن الشّـروط العلمية والموضوعية ،فِي حين يشتغل التَّجريب عَلَى المساءلة المنهجية للطبيعة الَّتِي تفترض جملة مِنْ الشّـروط والمبادئ المنهج

يُميز ألكسندر كويري بين التَّجربةِ والتَّجريبِ، كون التَّجربة جزءاً مِنْ المعرفة الَّتِي تسبق العلمية بسبب خلوها مِن الشّـروط العلمية والموضوعية ،فِي حين يشتغل التَّجريب عَلَى المساءلة المنهجية للطبيعة الَّتِي تفترض جملة مِنْ الشّـروط والمبادئ المنهجية الَّتِي تجعل منه منهجاً علمياً منظماً  ( التجريب ، مجزوءة المعرفة ، أنترنت ) ، ومن الحقل العلمي انتقل التَّجريب مُصطلحاً ليدخل فِي فضاء الأدب والفنون عاملاً مُهماً مِنْ عوامل تطورها عبر سيرورتها التَّاريخية، ولاسيَّما فِي الأزمات الَّتِي تشكل مآزق فِي حياة الأمم والشّعوب مما يجعلها ويجعل فنونها بحاجة حاسمة لتغييرات نوعية قادرة عَلَى محايثة الواقع الجديد باشتباكاته المربكة والشّديدة التعقيد.
فالتَّجريب قرين الإبداع لأنَّهُ يسعى إِلَى ابتكار أساليب جديدة فِي طرائق التَّعبير الفني، إنه جوهر الإبداع وحقيقته عندما يتجاوز الاعتيادي والمألوف ويغامر فِي تشكيل الجديد والمثير ،ولذلك فهو بحاجة إِلَى الشَّجاعة والصَّبر ؛ لأنَّه لا يَقترنُ بشعورٍ مؤكدٍ بالنَّجاحِ، فهو يَخترقُ مساره ضد السَّائد بصعوبةٍ شديدة ، ولا يظفر بقبول المتلقين دفعة واحدة ، بل يتغلغل فِي أذواقهم بهدوء وتوجس محركا فيهم جماليات الاختلاف كما يؤكد صلاح فضل ، عَلَى أن يلامس هذا التجريب رؤية متكاملة تتبلور وتسير نحو الانسجام بمرور الزمن وتتواصل عملية التجريب حتى يجد فيه المتلقي مشروعية التقبل والاستمرار . ومن سمات التجريب انه لا يشكل مذهبا أدبيا ولا تيارا معينا، لأنه يميل للتباين والاختلاف ،  فهو مناخ وميل مغروز فِي شخصية الكاتب، لهذا لا تتشابه أعمال التجريبيين فِي الشّعر ولا فِي الرواية لأنهم يرفضون الانضواء أو السير فِي خط واحد، ويفضلون الاختلاف في ما بينهم واستقلالية عمل كل واحد منهم، عَلَى أن ما يجمعهم فقط هو خروجهم عَلَى المألوف واعتمادهم خيارات واعية تعمل عَلَى خلخلة البنى التقليدية للفنون وكسر طمأنينة المتلقي القرائية معاً( حسب الدكتور لطيف زيتوني في تعقيبه على صلاح فضل . ولذلك كان التجريب عاما لا يرتبط بأيديولوجيا ولا مدرسة ولا تيارات معينة لأنه نابع فِي الأصل مِنْ هواجس الفنانين أولا، ومن داخل حركية الفن ذاته حينما يجد نفسه غير قادر عَلَى الوفاء بمهماته ضمن الاشتراطات القديمة فيسارع للتحول بحثا عن شـروط جديدة تمنحه القدرة عَلَى المواكبة الإبداعية والاستمرار، ولذلك يتعين عَلَى التجريبي أن يكون واعيا بالدواعي الَّتِي تملي عليه الشّـروع بالتجريب، لأن إيجابية النتائج قائمة عَلَى عمق الوعي بالفن مِنْ جهة وبالظروف الَّتِي تكتنفه مِنْ جهة أخرى، وأن يكون قادرا عَلَى ابتكار أشكال وفضاءات جديدة لم تكن متداولة مِنْ قبل، وقادرة عَلَى الحضور شعريا وتحقيق التميز، وأن يكون المبدع قادرا عَلَى الدفاع عن نموذجه الجديد وأن يكون هذا التغاير المتجاوز ناتج رؤية واعية وليس لعبا لفظيا ميكانيكيا باللغة لا يتجاوز التجريب اللفظي المنقطع عن امتلاك الواقع وتفكيكه والوعي بتناقضاته، وذلك يحتاج لقدرة عَلَى اكتشاف مستويات لغوية متجاوزة فِي التَّعبير الإبداعي ويجري ذلك عبر شبكة مِنْ التَّعالقات النَّصية الَّتِي تتراسل مَعَ توظيف لغة التّراث الشّعري أو اللهجة الدَّارجة الَّتِي تتخلله أو أنواع الخطاب الأخرى لتحقيق درجات مختلفة مِنْ الشّعرية، مِنْ هنا وجدنا التهجين الذي تم فِي دائرة اللغة ملمحا مهما مِنْ ملامح التجريب فِي مجموعة (مدري يا هو)، وقد تم مِنْ خلاله كسـر سور العزلة بين الشّعر والواقع، والصدق مَعَ مجريات الأحداث وتوظيف الألفاظ الَّتِي لم يكن استعمالها يروق للشاعر ولا هو مستحسن عند المتلقي، فضلا عن الجرأة فِي استعمالها عارية مِنْ أي ترميز أو كسوة أو غطاء، والغوص فِي الواقع ذهابا إِلَى الطبقات المسحوقة عَلَى المستوى المعيشي والثقافي والتعامل معها بلغتها الفجة والمبتذلة أحيانا(  كما يرى  عبد الحافظ متولي .
ولأنَّ التَّجريب نتاج التَّعقيد والاشتباكات المعرفية والفنية والحضارية؛ فهو مفهوم خلافي يجمع ويفرق وينشأ فِي سياق فني غني بالوعود وعارم بالتوترات ومحفز عَلَى المغامرة يهدف إِلَى النقض والاحتجاج عَلَى طول تراكم الأفكار والقيم والأشكال الموروثة التي غدت راكدة من طول التداول عَلَى وتيرة تكاد تكون واحدة، فهو ينشأ فِي الحالات الَّتِي لم يعد الفن بتقاليده الصارمة قادرا عَلَى التعبير عن تناقضات الأفكار وجدل الأشياء فيها، ولذلك لا يمكن إدراك مدى التجريب إلا بقياس مدى كسره للقديم والتمرد عليه ، وهذا الصراع القائم بين القيم الَّتي غدت ساكنة والأخرى الحركية الجديدة يسعى فِي جدله إِلَى التجاوز والتغيير انسجاما مَعَ السياق التاريخي الراهن الذي حركته إرهاصات جديدة حرصت عَلَى الخروج مِنْ السّـرب ونبذ الطَّرائق النَّمطية البالية، فالنُّصوص التَّجريبية كما ينقل حمادي صمود عن المدني، بنية ثنائية تقوم عَلَى التَّعارض بين طرفين بينهما جدل الإقصاء والإثبات، إقصاء بنية مهيمنة لم تعد تمتلك القدرة عَلَى امتصاص تناقضات الواقع للبوح بها أدباً وفناً، وإثبات نهج جديد قائم عَلَى الصّـراع مَعَ الثَّابت، يبشـر بنهجه التَّجريبيون ويدافعون عنه، والنُّصوص التَّجريبية حسب المدني لا تشكل هيكلاً مُنتظماً مِنْ الأفكار والنَّظريات وإنّما هي مُتجادلة مُتصارعة مُتعادية يكمل بعضها بعضاً وعليه ،  فهي ليست معصومة ولا جاهزة بل مُتَراكِبة كَتَجارب الحياة، وَمتداخلة تداخل مغامرات الإنسان ، ونتيجة ذلك الاختلاف بين ما ورثنا مِنْ أدبٍ وشعرٍ وَفَنٍّ وَتَقَاليد فَنية، نجم اختلاف بين جماليات ذلك الأدب المعتادة ، عن هذا التَّجريبي الجديد، فجماليات الشّعر المستقر القواعد قائمة عَلَى المعيارية والانسجام والتناسق المتعالي فِي سموه الباذخ، بينما تنطلق جماليات التَّجريبي الجديد مِنْ الواقع بكل تناقضاته، بسموه وابتذاله، بمقدسه ومدنسه وما فيه مِنْ منتهكات، فليس ثمة قواعد جمالية ثابتة، وهو بهذا يقترب مِنْ الواقع ومن الهوامش والعشوائيات ومن حياة الإنسان البسيط الذي يكابد أنواعاً شتى مِنْ المكابدات فِي حياته المربكة بالفاقة والألم  وفقدان القدرة عَلَى العيش بأمن وكفاية  حسب حمادي صمود ؛  مما يجعل التَّجريب مدفوعاً ولا شك بأسبابٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وَثقافية مُتداخلة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"ذو الفقار" يستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية

مالية البرلمان تحدد أهداف تعديل قانون الموازنة

نائب عن قانون تعديل الموازنة: من المستبعد إقراره خلال جلسة الغد

مفاجأة مدوية.. نائب يكشف عن شبكات تتجسس على المرجع السيستاني

برلماني يصف الوضع السوري بـ"المعقد": العراق يسعى لحماية مصالحه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram