تلقى بوتين الصفعة الأوكرانية، بينما كان يحتفل بنجاح الألعاب الأولمبية في سوتشي، ولكونه تربّى في الدوائر الاستخبارية، فإنه يرى أن هناك مؤامرة أفشلت صفقته الكبرى المُكلفة، التي دفعت يانوكوفيتش إلى إدارة ظهره للشراكة مع أوروبا، ما فجر مواجهات أدت إلى إسقاطه، وإذ ينظر بوتين الى ما جرى، والهزيمة السريعة لحليفه، على أنها نتاج مؤامرة غربية، استهدفت أيضاً وقف تصاعد الدور الروسي، العائد بعناد وعزيمة إلى الساحة الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية، والموقف من نووي إيران، فإن الواقع دفعه إلى الموافقة على القرار الدولي، الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في بعض المدن السورية، خشية موقف غربي مُغاير يتمثل في تقديم الدعم لمعارضي الأسد، بأكثر من مجرد تزويدهم بالأسلحة للوصول إلى أبواب دمشق، وإنما إقامة مناطق حظر للطيران، ربما تقود إلى تدخل عسكري لمواجهة أي نشاط للقوة الجوية للنظام، التي اكتسبت دوراً مميزاً في الحرب ضد معارضيه.
توقع كثيرون أن يكون بوتين أكثر قدرة على دعم أنصاره في أوكرانيا، من دفاعه عن نظام الأسد، بما هو آخر مواقعه في المنطقة، غير أن ما حصل أظهر حدود القوة الروسية، وعجزها عن منع البلدان التي كانت خاضعة لنفوذها، من التخلص من ذلك، لكن هزيمة بوتين في كييف لن تمنعه من أن يزداد تشدداً في الملف السوري، ما يعني انزلاق بلاد الشام إلى دورة عنف واسعة، تنخرط فيها أطراف متعددة تبدأ بروسيا وأميركا وتمر بإيران والعراق والسعودية وتركيا ولا تنتهي بالأردن، وستعمل السياسات الروسية من الآن فصاعداً، على إقناع العالم أن مفتاح الحل بيدها، على أمل أن يوفر لها ذلك موقعاً ندياً في مواجهة الغرب، يمكن أن تقايض به في ملفات أخرى.
بالطبع لا يمكن لسيد الكرملين، التعاطي مع ما حدث في أوكرانيا على أنه أمر داخلي، معني بقيام ديموقراطية فعلية وسياسة اقتصادية مختلفة، وهو يرى أنها جغرافيا يسعى الغرب لاختراقها لتطويق بلاده، بإنشاء أنظمة تدور في فلك سياساته، ولا يستطيع أن ينسى أن أوكرانيا تختزن في ذاكرتها، أيام كانت مجرد تابع لموسكو، وأن وقوعها اليوم عند حدود روسيا الاتحادية، يفرض عليها دفع الثمن، خصوصاً وأن من بين مواطنيها، من يستبد به الحنين إلى شكل العلاقات، التي كانت سائدة أيام الاتحاد السوفيتي، بينما هناك أجيال تتطلع إلى علاقة متميزة مع أوروبا، ما أنتج حالة تنذر بالانقسام، المؤكد أنه ليس في صالح السياسات الروسية.
يتشابك الملفان السوري والأوكراني، واستناداً إلى خسارة بوتين في أوكرانيا، فان سوريا التي تنتظر حربا أقسى في جنوبها، تعتمد على حيازة المعارضة لمساعدات غربية، تهدف إلى تغيير في ميزان القوى، يمنع النظام من مزيد من التشدد والانحياز للحل العسكري دون سواه، ويبدو مبكراً معرفة مدى تأثير الانفجار الصاعق في الحديقة الخلفية لروسيا، على مواقفها السورية، غير أن المؤكد أن هناك من يفكر بمقايضة من نوع ما بين الملفين، فخسارة أوكرانيا أقسى وأشد من خسارة سوريا، التي تفتقر لأهمية أوكرانيا، سواء بالنسبة لبوتين أو للغرب، ما يدفع للمخاوف من مزيد من التشدد في سوريا، بدلاً من السعي إلى تسوية فيها، في ظل التجربة الأوكرانية، ما لم يعمل الغرب على إقناع بوتين بأن هذه التجربة بالذات، توفر دروساً للمعارضة السورية وداعميها، وتمنحها مزيداً من العزم، على إسقاط ما يعتبر حصناً منيعاً، وإن كان في الحضن الروسي وحمايته.
هل انتصر بوتين في سوريا، ليكون الرد هزيمة قاسية في أوكرانيا؟ مواقفه من الأزمة السورية ستوضح ذلك.
بوتين المنتصر أم المهزوم؟
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2014: 09:01 م