ودّعت سوريا الأسبوع الماضي شاعر العامية حسين حمزه، وهو الأبرز بين شعراء سوريا، وقد تفرّد بأسلوب مميز لم يسبقه إليه أحد، في إلقاء الشعر في شارات المسلسلات، ارتبط اسمه بالأعمال الدرامية منذ أكثر من أربعين عاماٌ، وكانت آخر شارة قدمها بصوته، هي شارة مسلس
ودّعت سوريا الأسبوع الماضي شاعر العامية حسين حمزه، وهو الأبرز بين شعراء سوريا، وقد تفرّد بأسلوب مميز لم يسبقه إليه أحد، في إلقاء الشعر في شارات المسلسلات، ارتبط اسمه بالأعمال الدرامية منذ أكثر من أربعين عاماٌ، وكانت آخر شارة قدمها بصوته، هي شارة مسلسل "بيت جدي".
غنى له معظم فناني سوريا ولبنان، ومن أشهر أغانيه، أغنية "تعب المشوار"، التي لحنها الفنان عبد الفتاح سكر، وغناها المطرب الراحل فؤاد غازي.
بعد 35 عاماً على كتابتها، نستحضر أغنية الجنازة التي تليق بوداعه
"شيلوا بنعشه شيلوا شيل
وانهض ياقليل الحيل
شيلوا بنعشه يابنيات
ومرّن ع كل الساحات
وهلن يادمعات فرات
وطفّي نجماتك ياليل"
يتوالى موت الشعراء المبدعين، وبفقدان حسين حمزه نفقد صوتاً شعرياً مؤثراً، عرفنا صوته الآخاذ في الدراما السورية، عرفناه صوتاً أيام عرض مسلسل حارة القصر، وذلك من خلال مداخلات شعرية بصوته، ضمن المشاهد التمثيلية للمسلسل، وبعدها ظل صوته أحد الملامح الرئيسية لأشهر الأعمال الدرامية السورية، ومنها مسلسل "فوزية"، و"العريس"، وكان آخر إبداع له في هذا المضمار صوته العميق في مسلسل "بيت جدي"، عام 2008، ولعقود ظلت بصمة صوته ترافق أبرز الأعمال الدرامية السورية، لكن من أصدق ما قاله:
"عم تهربي يا سنين بالسرقة
ومن قطفة ورقة بعد ورقة
ولو كل شمعة بتنطفي بتعود
ما ظل عنا شموع محترقة".
المؤلم أكثر أنه بعد سبعين عاما غادر بصمت وألم، وتوفي غريباً عن سوريا، التي غناها أجمل وأعذب قصائده، ولم يرافق نعيه في الإعلام السوري، غير التركيز على أن الأسد خط أحمر، في حين كان هو يرى أن الخط الأحمر الوحيد المحترم، هو الشعب السوري ووحدته الوطنية، لحق أبو المحكية الأول في سوريا بجوزيف حرب عملاق المحكية اللبنانية، وأنسي الحاج مبدع ومكرس قصيدة النثر، غادرنا ملفوفاً بأكفان التجاهل والنسيان المبكر، تاركا وطنه يغوص في العتمة ودخان الحرائق، التي تلتهم البشر والشجر والحجر.
من سيرته الذاتية أنه ولد في قرية كفر شمس بمحافظة درعا الجنوبية، انحاز إلى أكثر القوالب الشعرية قرباً من الطبقات الشعبية، واغتنم قدرات البث التلفزيوني، فسجل حضوراً جماهيرياً مبهراً، وهو يلقي قصائده برفقة عزف موسيقي، لكن ذلك كله لم يمنحه حق أن يدرج اسمه في قائمة المثقفين السوريين، ولم يصنف رسمياً بين الشعراء المهمين والمكرسين، فضاع إبداعه النبيل في دهاليز أكذوبة الحفاظ على الفصحى، التي دفعت وزارة الثقافة لمنع إقامة أمسيات للشعر المحكي.
رحل الشاعر الذي أتقن فن دغدغة عواطف الجمهور ببساطة قصائده ونبرة صوته الخاصة، تنكّرت له سوريا البعثية كما تنكّر بعث العراق لمظفر النواب، ولم تتعامل مع قامته الشعرية الباسقة والباذخة، كما تعامل لبنان مع طلال حيدر، أو مصر مع احمد فؤاد نجم، عاش ومات مثل كل شعراء المحكية السوريين، المهمشّين تحت وطأة فرمانات القومجيين، الذين صنّموا اللغة العربية، وأوقفوا تقدمها عند سيبويه وهكذا تم تحنيط حسين حمزه في سراديب أرشيف التجاهل والنسيان، وهو الذي كانت قصائده وصوته جاذباً لمشاهدي الدراما السورية الرصينة والجادة، والدليل أن واحداً من بقايا المبدعين هو المخرج هيثم حقي نعى الراحل قائلاً "وداعاً لشاعر العامية الكبير الصديق حسين حمزة، كم هو مؤلم فراق من لا تستطيع أن تقوم بواجب وداعهم إلى مثواهم الأخير.
وبعد فإن الشاعر الذي عاش آخر عمره غريبا على شواطئ الرمل والملح فكتب:
سافر غريب الدار عن أهله
وكان السفر غدّار
يانار قلبي مين يندهله
تراب وقبر وحجار
لكن رسالته الوداعية الحزينة كانت بارزة في مقدمة مسلسل «بيت جدي»
"يابيت جدي ضاع هالمفتــاح
وأبوابك بتبكي على اللي راح
ما ظل طعم ولون قلي شلون
يا بيت جــدي ماتت الأفراح
ليش الغدر و الحقد عبا الكاس
و الآدمي كل يوم عم ينـداس
يا سامعين الصوت وين الناس
صار الأصيل بحارته ســواح
عتبان قلبي على البشر كــله
نسوانها ورجالها كبارها وزغارها
و اللي زرع فينا البلاوى وهج وتخلى
رضيان قلبي بس على اللي تبسمروا
لا فرطوا ولا تورطوا لا داوروا ولا ناوروا
فيهن جمال الكون يتجلى
عتبان قلبي على البشر كلا"
يحق لك العتب ويحق لنا الاحتراق بوهج غيابك
حسين حمزه يا صديق الشعر والإبداع .. حقاً تعب المشوار فمتى نلحق بك؟