عندما التقيت، مع مجموعة من الزملاء، رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي في العام الماضي للتعريف بموقف مئات من الصحفيين والإعلاميين المتحفظين على مشروع قانون حقوق الصحفيين الذي كان مطروحاً أمام مجلس النواب، افتتحت الكلام مع السيد النجيفي بان الشيء الوحيد الكامل الذي حصلنا عليه بعد سقوط نظام صدام هو حرية الرأي والتعبير، فبادر في الحال إلى السؤال: "وهل لدينا حرية تعبير حقا؟".
كان سؤالاً في محله في الواقع، ولهذا أجبته قائلاً: "نسبياً". وهذه حقيقة، فأيّ من الحقوق والواجبات التي وعد النظام الجديد بتحقيقها للشعب العراقي وجرى تكريسها في الدستور، لم تُنجز أو تتحقق.. كل حرياتنا وحقوقنا مثلومة ومنقوصة في أحسن الأحوال. أما على صعيد حرية التعبير فلا يمكن نكران أن الناس صار في مقدورهم التعبير عن آرائهم علناً من دون خشية في المقاهي وسائر المرافق العامة وعبر وسائل الإعلام. كان ذلك حتى اندلاع التظاهرات في شباط من العام الماضي وما بعده، فالحكومة الثانية لنوري المالكي كشّرت عن أنياب طويلة وحادة، بل مسمومة، معلنةً بدء عهد جديد عنوانه القسوة والوحشية تجاه حرية التعبير.
لاحقاً رفعت الحكومة من درجة استنفارها تجاه هذه الحرية بالضغط بقوة في كل الاتجاهات لتشريع قانون حقوق الصحفيين الذي بدلاً من أن يضمن حقوق الصحفيين وأولها الحق في الوصول الحر الى المعلومات والبث الحر لهذه المعلومات، وضع قيوداً ثقيلة على العمل الصحفي. وعملياً لم يبقِ القانون للصحفي من خيار إلا أن يقول وينقل ما ترغب فيه الحكومة وتقبل به أو أن يواجه إجراءات تعسفية وملاحقات قضائية تتلطى بالقانون (معظم القوانين النافذة هي قوانين نظام صدام الاستبدادية) والنظام والآداب العامة. وهذا ما ثبتته المنظمات الدولية المرموقة، ولم تخالفه سوى منظمة واحدة مرتشية.
الآن تستعمل الحكومة أظافرها الحادة إلى جانب أنيابها من أجل فرض المزيد من القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير. إنها تسعى إلى إقامة نوع من نظام محاكم التفتيش عبر قوانين حرية التعبير والتنظيم والاتصالات وجرائم المعلوماتية.
إن منظمة عالمية مرموقة، هي لجنة حماية الصحفيين الدولية، سجلت أخيراً عن حق أن الحكومة العراقية تخطط لفرض قواعد صارمة تقيّد بث وسائل الإعلام، معتبرة عن حق أيضاً أن هذا يمثل إنذاراً خطيراً بعودة الحكم الاستبدادي في البلاد. ونددت اللجنة بهذه القوانين التي وصفتها بغير اللائقة و طالبت رئيس الوزراء بالتخلي عنها.
أكثر ما يُحيرني مع كل إجراء تعسفي تتخذه الحكومة، وبالذات تجاه الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان، أن كل مساعي التقييد وكل أعمال البطش والتضييق تقوم بها حكومة يقودها زعيم حزب الدعوة الإسلامية ويلعب رفاق له دوراً مؤثرا فيها. فحزب الدعوة ظل على الدوام يُقدّم نفسه بوصفه أكبر ضحية لقمع نظام صدام. وبعض قادة الحزب الحاليين نشطوا في ميدان الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد النظام السابق، وبين هؤلاء النائب وليد الحلي الذي ترأس جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان تابعة لحزب الدعوة. ولم يكن السيد الحلي يترك أدنى انتهاك من النظام السابق من دون تعميمه.
فما بال دعاة ما بعد 2003 يقلبون ظهر المجن ويتحولون إلى مقترحين لقوانين استبدادية ومدافعين عنها وضاغطين من أجل تمريرها؟ ألا يخطر في بالهم أنهم يمكن أن يكونوا ضحايا لهذه القوانين بعدما يتعيّن عليهم تسليم السلطة لغيرهم، أم تراهم يفكرون بالخلود في السلطة؟
أسئلة .. لحزب الدعوة
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2012: 06:39 م
جميع التعليقات 4
علاء البياتي
يعني خربتوا البلد وقبلتم بالاحتلال وتسليم البلد لاحقا الى ايران مقابل حريه نسبيه في التعبير هل تساوي كل الخراب والدمار الذي لحق بالبلد لقد اثبتم فعلا مقولا صدام ان ذهب هو ذهب العراق ماذا تفسر ذلك سيدي الكاتب ملاحظه : انتم في المدى لاتنشرون التعليقات حينما
ابوحسين الخزعلي
القيود والضوابط الجديدة الصادرة من حكومة الميليشيات ا الانقلاب هي مقدمة لانقلاب ابيض لان هل يعقل ان ايران تبقى ساكته عن نظام يسمح للاحزاب والحركات والاشخاص الاحرار ان يعبئو الشعب ضدهم ضمن لعبة الديمقراطية المفردة التي لاتوجد في قاموسهم ولافي برامجهم ولامق
ليث العراقي
ما تفضل به الأخ عدنان حسين لهو كلمة نصح وتنبيه ليس لقادة حزب الدعوة بل لكافة أعضاءه وموءازريه من المناضلين المخلصين ؟؟ وعليهم الأخذ بها قبل فوات الآوان وعندها لاينفع الندم ؟ 2/ لازال البعض يتصيد في مقالات الوطنيين للإساءة الى التغيير ومن ثم تشويه العملي
محمد الشمري
انهم على خطى سيدهم المقبور صدام ففي 73 جاء بالجبهه الوطنيه التقدميه ليصل مبتغاه بالقبض بيد حديديه على كل وسائل الاعلام والسلطه انفرطت الجبهه بمذابح لم ير مثلها التاريخ الانساني وتنكر لاقرب المقربين له وصار اللي صار ولكننا كنا لم نفسر كلامه يومها جئنا لنب