تدل التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتي اعتبر فيها أن الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، لدفع مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلام، على مدى التطابق بين واشنطن وتل أبيب تجاه مآلات الصراع، والانحياز الأميركي الكامل لسياسات نتنياهو، وعدم الأخذ بالاعتبار أياً من الحقوق الفلسطينية، رغم تطابقها مع الشرعية الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ورغم أن التعنت الإسرائيلي يستند على لاشرعية احتلال أراضي الغير بالقوة المسلحة.
نتنياهو يحاول تبسيط الأمور في أعين الغربيين، حين يصرح لمحطة تلفزيون ألمانية، عشية الزيارة المنتظرة من المستشارة انجيلا ميركل لبلاده، فيقول إن عليه هو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجلوس سوياً حول الطاولة والتفاوض حول السلام، الذي ينسف إمكانية تحقيقه فوراً بتأكيده أنه لا يمكن الوصول إليه إذا لم يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، ويبدي استغرابه من رفض الفلسطينيين ذلك، مع أنه مستعد للقبول بدولة فلسطينية، ويرى من زاوية مُراوغة، أن العقبة المتمثلة في سياسة الاستيطان، التي تنتهجها حكومته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وينتقدها العديد من القادة الغربيين، أنها مجرد إحدى المسائل التي تحتاج إلى حل خلال المفاوضات.
في مسألة الاستيطان، يسعى نتنياهو لمراوغة ميركل، التي صعّدت مؤخرا لهجتها ضد هذه العملية غير الشرعية، ودعت خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى برلين في تشرين أول الماضي إسرائيل إلى ضبط النفس، في مجال توسيع المستوطنات، مع أن المعروف أن ألمانيا تتميز عن معظم الدول الأوروبية، في دعمها لسياسات الدولة العبرية وهو ما عبّر عنه نتنياهو بوصفه ميركل وأعضاء حكومتها جميعاً بانهم أصدقاء كبار لاسرائيل، وقلّل من شأن التباينات بين البلدين حول مسألة الاستيطان، بالقول إنه حتى بين الاصدقاء، وداخل العائلات، هناك أحياناً تباينات.
يعرف نتنياهو أن ميركل ومعها الاتحاد الأوروبي، لايملكون من أمرهم شيئاً تجاه أي حل محتمل للمعضلة الفلسطينية، لكنهم يظلون رصيداً احتياطياً لتسديد أثمان أي حل، قد يتم التوصل إليه، أو بالأحرى فرضه على الفلسطينيين، بما يُرضي سياسات إسرائيل، ويُلبي طموحات ساستها في التوسع على حساب الأرض الفلسطينية، وربما العربية في مراحل لاحقة، عندها سيكون المال الأوروبي عاملاً مساعداً في إسكات كل الأصوات المعارضة، دولاً كانت أو أفراداً، أو جماعات سياسية لانشك أنها بانتظار تلك اللحظة، ومع ثقة نتنياهو بغياب أي دور إيجابي لأوروبا في المرحلة الراهنة، فإنه لايقطع معها بانتظار أن تؤدي الدور المطلوب حين تأزف ساعته.
في الأثناء، وتعبيراً عن اليأس من التوصل إلى أية نتائج إيجابية، من تحركات كيري لجأ الجانب الفلسطيني مدعوماً من موسكو، إلى محاولة إحياء اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، وهي لجنة أثبتت فشلها على مدى عدة سنوات، ولم تتمكن من التقدم خطوة واحدة، وظل توني بلير رئيسها الباحث عن وظيفة، بعد تركه لمنصب رئيس وزراء بريطانيا، يأتي ويذهب ويجتمع ويفاوض، دون أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام، لكن المهم أنه كان يُشغل نفسه، دون أن يشغل أحداً بكل نشاطاته السياحية، ويبدو غريباً تماماً اليوم الدعوة إلى إحياء لجنته، إلاّ إن كان مطلوباً دعمها لمواجهة الضغوط الأميركية.
يلعب نتنياهو مع كيري، ويرسمان خارطة جديدة على قياس الدولة العبرية، والبقية في موسكو والعواصم الاوروبية والعربية ومعهم الفلسطينيون الذين لايتقنون حسب المثل الشعبي غير "التغميس خارج الصحن"، ومجرد الحلم بحل الدولتين.
بين كيري والرباعية ضاعت الحقوق
[post-views]
نشر في: 25 فبراير, 2014: 09:01 م