يصعب على المتابع للدورة الـ64 للبرليناله، الخروج بتقييم نهائي وشامل عنها، بسبب من سعتها وصعوبة الإحاطة بأغلب تفاصيلها، حتى بالنسبة للنقاد، فالوقت المتوفر عندهم لا يكفي لمشاهد أكثرية أفلامها وفعالياتها، وهذه ملاحظة تشمل كل المهرجانات الكبيرة، لهذا يحر
يصعب على المتابع للدورة الـ64 للبرليناله، الخروج بتقييم نهائي وشامل عنها، بسبب من سعتها وصعوبة الإحاطة بأغلب تفاصيلها، حتى بالنسبة للنقاد، فالوقت المتوفر عندهم لا يكفي لمشاهد أكثرية أفلامها وفعالياتها، وهذه ملاحظة تشمل كل المهرجانات الكبيرة، لهذا يحرص الكثير منهم على متابعة أفلام المسابقة الرسمية كونها تؤشر مسار ومستوى كل دورة ويتوقع منها، في الغالب، أن تأتي بالجديد ما يمنحهم فرصة ملاحقته وعدم التأخر في الاطلاع عليه، وبشكل خاص نتائجها التي كثيراً ما تكون محط اهتمام وجدل لاختلاف الذائقة والموقف من كل فيلم فيها، وهذا التوصيف الأقرب إلى ما يتابعه الصحافيون والنقاد العرب لعلاقته القوية بتفصيل تقني يتعلق بطبيعة الصحافة ووسائل الإعلام في منطقتنا التي لها تصور ومستوى اهتمام مختلف عن بقية وسائل الإعلام في العالم، التي تنظر إلى كل مهرجان كبير، بوصفه ميداناً إبداعياً وتجارياً مهماً، الإحاطة به تسلتزم توزيع الأدوار على عدد من المختصين والصحافيين الإخباريين وتنويع جهات التغطية في البلد الواحد. فإلى جانب الصحافة المكتوبة ينشط مراسلو وسائل الاتصالات السمعية والبصرية والإلكترونية خلال أيامه لتغطيته بشكل جيد، ومن هنا فالعبء على الصحافيين والنقاد العرب ثقيل، لأنه في الغالب يقع على كاهل شخص واحد أو مجموعة صغيرة تظل عاجزة عن تشكيل صورة كاملة لفعاليات المهرجانات الكبيرة وبينها مهرجان برلين الدولي، الذي ضمت دورته لهذا العام مئات الأفلام والكثير من الفعاليات، لهذا واتساقاً مع التوصيف نفسه، سنعود إلى المسابقة، ونتائجها التي بدت متوازنة في ظل قلة التنافس بين المتبارين عليها، فحصلت المهمة منها على حصة معقولة من كعكة لجنة التحكيم.
نال الصيني "فحم أسود، ثلج رقيق" جائزة "الدب الذهبي" فهل خالف التوقعات؟ ربما، فاسم دييو ينان لم يترسخ بعد عالمياً كمخرج من جيل ما بعد الرعيل الخامس، وبسبب موضوعه، أيضاً، الذي ابتعد عن تناول المشاكل والهموم التي تواجه الإنسان الصيني اليوم، مباشرة، وفضل عليها الذهاب إلى عالم الجريمة والمغامرة البوليسية السوداء، وإن لم يخل من إشارات إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها الصين في مرحلتها الرأسمالية الناهضة وبروز الطبقة الغنية "المشوهة" التي تعامل الناس باحتقار وتخيفهم بقوتها الضاغطة وما تفرزه من ردود أفعال عند الناس، تدفع بعضهم إلى ارتكاب جرائم بدوافع انتقامية من شدة التباين الاقتصادي بينهم وبين فئة أفرزتها حالة الانتقال الاقتصادي المنفلت في البلاد، والدلالة بين المناخين واضحة: بين فحم أسود يستخرج من المناجم التي كان يجد عمالها الفقراء بين أحزمتها الناقلة وحاوياتها قطعاً من جثث آدمية ممزقة مخلوطة بترابها المستخرج من بطون الأرض التي دمرتها المكائن العملاقة، وبين الجو العام الذي يكسوه الثلج المائل إلى العتمة، رقيق لا يعكس كماً كافياً من الضوء. في كل الأحوال فإن الميل لتجريب موضوعات أقل إشكالية بأساليب شغل سينمائية مألوفة لا ينتمي بالضرورة "للخصوصية" الصينية أو الآسيوية عموماً يشير إلى تجاوز هذه السينمات عقدة "المساحة الفارغة" التي تشير إلى تباين يظهر أحياناً بين مستوى النمو الاقتصادي ـ الاجتماعي لبعض البلدان وبين تطور مستوى منجزها الإبداعي الذي يضمر في أحايين كثيرة سوء تقدير لمستوى التطور الحقيقي للبلدان المشار إليها وحالة تركيا على سبيل المثال تصلح مثالاً، فتطور سينمتها الملحوظ في العقدين الأخيرين يؤشر مستوى التطور الحاصل فيها على مستويات متعددة، يترافق موضوعياً مع تطورها السينمائي وآسيا كلها لا تخرج عن هذا السياق وأن ركزنا هنا بشكل خاص على اليابان والصين، اللتين استحوذتا على جوائز الدورة 64 للبرليناله، فإلى جانب الذهب فازت الصين بجائزة الدب" الفضي" لأفضل مساهمة فنية عن فيلم "رسالة عمياء" للمخرج لو يي، وحازت بطلة فيلم المخرج الياباني يوجي يامادا "المنزل الصغير" هارو كوركي جائزة أفضل ممثلة .أما جائزة أفضل ممثل فثمة إحساس عام بالغبن لأنها ذهبت للصيني لياو فان، ولم يأخذها السويدي ستيلان سكاشغورد عن دوره في الفيلم النرويجي السويدي الدنماركي المشترك، الحلو المناخ والروح "نظام الاختفاء" في ترجمته الإنكليزية التي أبعدت عنه كثيراً روحه الساخرة ومزاجه الإسكندنافي المعبر عنها في عنوانه الأصلي "قوة الحماقة". لم تنحصر خيبة التوقع فيه فقط، بل وصلت إلى الفيلم الألماني "محطات الصليب" لديتريش بورغمان، الثلاثيني العمر المفعم بقوة اقتحام موضوع إشكالي غاية في الحساسية قدمه بأسلوب سينمائي، مستفز للعقل ولطرح الأسئلة الوجودية المتعلقة بالنص الديني وتفسيره وفق رؤية آيدلوجية تسمح وتبرر فعل العنف والقتل، كما نتلمسه في كثير من التجارب السياسية المبنية على الخطاب الديني المتطرف في عالمنا اليوم. من دون شك ثمة تأثيرات واضحة للنمساوي إلريش يدل على أسلوبه لكن تميزه الأكبر يكمن في موضوعه ونصه (فاز بجائزة أفضل سيناريو كتباه معاً ديتريش وآنا بورغمان) وطرحا فيه إشكالية التزمّت المسيحي في عالمه الخاص، عبر حياة مراهقة ألمانية توزع وعيها بين المضي في مباهج وشروط الحياة السوية وبين الإخلاص للإيمان الديني الصارم الذي سيقودها إلى الموت. اختيار الموت لمراضاة الواعز الديني الداخلي نجد تعبيراته المتباينة في أمكنة وثقافات مختلفة، لكن أخطر ما فيه تشابه خطابه وغاياته لدرجة يغدو الفصل بينها مستحيلاً بل إن محاولة الفصل تبدو عقيمة إذا ما حاكمنا منطق العقل الذي يستفز به المخرج الألماني تيارا دينياً أوروبياً متعصباً يريد إخضاع الحياة كلها لتفسيرات النص الديني وتأويلاته غير المنتهية، على عكس فيلم المخرج الأمريكي ريتشارد لينكلايتر "صبا" الذي ينتمي إلى الحياة بكل معانيها وقدرة السينما على تجسيدها بتفاصيل قريبة إلى الحياة نفسها، وعلى جهده، الذي امتد قرابة عقدين من الزمن اشتغل خلالها مع شخصيات أغلبيتها حقيقية، من أقربائه ومعارفه، وتمكن عبرهم من صنع تحفة سينمائية تحكي عن حيواتنا نحن الذين نشاهدها تتحرك أمامنا خلال ما يقارب ثلاث ساعات من الزمن، استحق جائزة أفضل مخرج. وبمقدار معين يمكن إضافة " أحبّ، غنِّ واسكر" للفرنسي المخضرم ألن رينه (92 عاماً) إلى مجموعة الأفلام التي تنتمي إلى الحياة، إلى جانب فيلم ويس أندرسون "فندق بودابست الكبير، الخارج بجائزة لجنة التحكيم ( راجع ما كتبناه عنه على نفس الصفحة) لقوة مقارباتها بما يسمح بوضع عنوان جامع لها ضمن المسابقة الرسمية. ما يدهش في عمله (عنوانه في الإنكليزية: حياة رايلي) فهمه للكاميرا وترويضها كأداة لإضفاء البعد الرابع على المكان لتفسح مجالاً يمكن للسينما أن تصنع حياتها داخله. فالكاميرا هنا أداة لكسر الأبعاد الثلاثة للمسرح وعبرها يمكن إشراك المشاهد بوصفه العين التي تضفي على المشهد معناه السينمائي والحياتي. ومن هنا جاءت أسباب منحه جائزة ألفرد باور (تيمناً باسم مؤسس المهرجان) التي تعطى سنوياً لفيلم يفتح آفاقاً جديدة ما وهو بالفعل فتح هذه الآفاق من منظور مختلف يعتمد على فهم مختلف للمكان والزمان في العمل السينمائي متقارباً مع المسرحي الألماني بريشت في فهمه للاغتراب ولحركة المسرح خارج تعريفاتها اليونانية الكلاسيكية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بغض النظر عن الجوائز التي نالها الفيلم بما فيها جائزة النقاد ("فيبريسي") هو لماذا أشرك في المسابقة؟ أما كان الأجدى بمنظمي الدورة عرضه خارجها كنوع من الاحتفاء بسينمائي كبير، منجزه أكبر من مسابقة وجائزة! كما فعلت مع لارس فون تريه الذي عرضت له الجزء الأول (نسخة طويلة) من فيلمه الجديد "نيمفومانيك"، الذي يعتبر إشراكه واحداً من تميزات دورة البرليناله 64 ومكسباً لها على حساب مهرجان كان السينمائي الذي تخاصم معه وخسر فرصة عرض فيلم باكتمال جزئيه سيثير دون شك عاصفة من النقد وردود الأفعال المتباينة.
يصعب على المتابع للدورة الـ64 للبرليناله، الخروج بتقييم نهائي وشامل عنها، بسبب من سعتها وصعوبة الإحاطة بأغلب تفاصيلها، حتى بالنسبة للنقاد، فالوقت المتوفر عندهم لا يكفي لمشاهد أكثرية أفلامها وفعالياتها، وهذه ملاحظة تشمل كل المهرجانات الكبيرة، لهذا يحرص الكثير منهم على متابعة أفلام المسابقة الرسمية كونها تؤشر مسار ومستوى كل دورة ويتوقع منها، في الغالب، أن تأتي بالجديد ما يمنحهم فرصة ملاحقته وعدم التأخر في الاطلاع عليه، وبشكل خاص نتائجها التي كثيراً ما تكون محط اهتمام وجدل لاختلاف الذائقة والموقف من كل فيلم فيها، وهذا التوصيف الأقرب إلى ما يتابعه الصحافيون والنقاد العرب لعلاقته القوية بتفصيل تقني يتعلق بطبيعة الصحافة ووسائل الإعلام في منطقتنا التي لها تصور ومستوى اهتمام مختلف عن بقية وسائل الإعلام في العالم، التي تنظر إلى كل مهرجان كبير، بوصفه ميداناً إبداعياً وتجارياً مهماً، الإحاطة به تسلتزم توزيع الأدوار على عدد من المختصين والصحافيين الإخباريين وتنويع جهات التغطية في البلد الواحد. فإلى جانب الصحافة المكتوبة ينشط مراسلو وسائل الاتصالات السمعية والبصرية والإلكترونية خلال أيامه لتغطيته بشكل جيد، ومن هنا فالعبء على الصحافيين والنقاد العرب ثقيل، لأنه في الغالب يقع على كاهل شخص واحد أو مجموعة صغيرة تظل عاجزة عن تشكيل صورة كاملة لفعاليات المهرجانات الكبيرة وبينها مهرجان برلين الدولي، الذي ضمت دورته لهذا العام مئات الأفلام والكثير من الفعاليات، لهذا واتساقاً مع التوصيف نفسه، سنعود إلى المسابقة، ونتائجها التي بدت متوازنة في ظل قلة التنافس بين المتبارين عليها، فحصلت المهمة منها على حصة معقولة من كعكة لجنة التحكيم.
نال الصيني "فحم أسود، ثلج رقيق" جائزة "الدب الذهبي" فهل خالف التوقعات؟ ربما، فاسم دييو ينان لم يترسخ بعد عالمياً كمخرج من جيل ما بعد الرعيل الخامس، وبسبب موضوعه، أيضاً، الذي ابتعد عن تناول المشاكل والهموم التي تواجه الإنسان الصيني اليوم، مباشرة، وفضل عليها الذهاب إلى عالم الجريمة والمغامرة البوليسية السوداء، وإن لم يخل من إشارات إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها الصين في مرحلتها الرأسمالية الناهضة وبروز الطبقة الغنية "المشوهة" التي تعامل الناس باحتقار وتخيفهم بقوتها الضاغطة وما تفرزه من ردود أفعال عند الناس، تدفع بعضهم إلى ارتكاب جرائم بدوافع انتقامية من شدة التباين الاقتصادي بينهم وبين فئة أفرزتها حالة الانتقال الاقتصادي المنفلت في البلاد، والدلالة بين المناخين واضحة: بين فحم أسود يستخرج من المناجم التي كان يجد عمالها الفقراء بين أحزمتها الناقلة وحاوياتها قطعاً من جثث آدمية ممزقة مخلوطة بترابها المستخرج من بطون الأرض التي دمرتها المكائن العملاقة، وبين الجو العام الذي يكسوه الثلج المائل إلى العتمة، رقيق لا يعكس كماً كافياً من الضوء. في كل الأحوال فإن الميل لتجريب موضوعات أقل إشكالية بأساليب شغل سينمائية مألوفة لا ينتمي بالضرورة "للخصوصية" الصينية أو الآسيوية عموماً يشير إلى تجاوز هذه السينمات عقدة "المساحة الفارغة" التي تشير إلى تباين يظهر أحياناً بين مستوى النمو الاقتصادي ـ الاجتماعي لبعض البلدان وبين تطور مستوى منجزها الإبداعي الذي يضمر في أحايين كثيرة سوء تقدير لمستوى التطور الحقيقي للبلدان المشار إليها وحالة تركيا على سبيل المثال تصلح مثالاً، فتطور سينمتها الملحوظ في العقدين الأخيرين يؤشر مستوى التطور الحاصل فيها على مستويات متعددة، يترافق موضوعياً مع تطورها السينمائي وآسيا كلها لا تخرج عن هذا السياق وأن ركزنا هنا بشكل خاص على اليابان والصين، اللتين استحوذتا على جوائز الدورة 64 للبرليناله، فإلى جانب الذهب فازت الصين بجائزة الدب" الفضي" لأفضل مساهمة فنية عن فيلم "رسالة عمياء" للمخرج لو يي، وحازت بطلة فيلم المخرج الياباني يوجي يامادا "المنزل الصغير" هارو كوركي جائزة أفضل ممثلة .أما جائزة أفضل ممثل فثمة إحساس عام بالغبن لأنها ذهبت للصيني لياو فان، ولم يأخذها السويدي ستيلان سكاشغورد عن دوره في الفيلم النرويجي السويدي الدنماركي المشترك، الحلو المناخ والروح "نظام الاختفاء" في ترجمته الإنكليزية التي أبعدت عنه كثيراً روحه الساخرة ومزاجه الإسكندنافي المعبر عنها في عنوانه الأصلي "قوة الحماقة". لم تنحصر خيبة التوقع فيه فقط، بل وصلت إلى الفيلم الألماني "محطات الصليب" لديتريش بورغمان، الثلاثيني العمر المفعم بقوة اقتحام موضوع إشكالي غاية في الحساسية قدمه بأسلوب سينمائي، مستفز للعقل ولطرح الأسئلة الوجودية المتعلقة بالنص الديني وتفسيره وفق رؤية آيدلوجية تسمح وتبرر فعل العنف والقتل، كما نتلمسه في كثير من التجارب السياسية المبنية على الخطاب الديني المتطرف في عالمنا اليوم. من دون شك ثمة تأثيرات واضحة للنمساوي إلريش يدل على أسلوبه لكن تميزه الأكبر يكمن في موضوعه ونصه (فاز بجائزة أفضل سيناريو كتباه معاً ديتريش وآنا بورغمان) وطرحا فيه إشكالية التزمّت المسيحي في عالمه الخاص، عبر حياة مراهقة ألمانية توزع وعيها بين المضي في مباهج وشروط الحياة السوية وبين الإخلاص للإيمان الديني الصارم الذي سيقودها إلى الموت. اختيار الموت لمراضاة الواعز الديني الداخلي نجد تعبيراته المتباينة في أمكنة وثقافات مختلفة، لكن أخطر ما فيه تشابه خطابه وغاياته لدرجة يغدو الفصل بينها مستحيلاً بل إن محاولة الفصل تبدو عقيمة إذا ما حاكمنا منطق العقل الذي يستفز به المخرج الألماني تيارا دينياً أوروبياً متعصباً يريد إخضاع الحياة كلها لتفسيرات النص الديني وتأويلاته غير المنتهية، على عكس فيلم المخرج الأمريكي ريتشارد لينكلايتر "صبا" الذي ينتمي إلى الحياة بكل معانيها وقدرة السينما على تجسيدها بتفاصيل قريبة إلى الحياة نفسها، وعلى جهده، الذي امتد قرابة عقدين من الزمن اشتغل خلالها مع شخصيات أغلبيتها حقيقية، من أقربائه ومعارفه، وتمكن عبرهم من صنع تحفة سينمائية تحكي عن حيواتنا نحن الذين نشاهدها تتحرك أمامنا خلال ما يقارب ثلاث ساعات من الزمن، استحق جائزة أفضل مخرج. وبمقدار معين يمكن إضافة " أحبّ، غنِّ واسكر" للفرنسي المخضرم ألن رينه (92 عاماً) إلى مجموعة الأفلام التي تنتمي إلى الحياة، إلى جانب فيلم ويس أندرسون "فندق بودابست الكبير، الخارج بجائزة لجنة التحكيم ( راجع ما كتبناه عنه على نفس الصفحة) لقوة مقارباتها بما يسمح بوضع عنوان جامع لها ضمن المسابقة الرسمية. ما يدهش في عمله (عنوانه في الإنكليزية: حياة رايلي) فهمه للكاميرا وترويضها كأداة لإضفاء البعد الرابع على المكان لتفسح مجالاً يمكن للسينما أن تصنع حياتها داخله. فالكاميرا هنا أداة لكسر الأبعاد الثلاثة للمسرح وعبرها يمكن إشراك المشاهد بوصفه العين التي تضفي على المشهد معناه السينمائي والحياتي. ومن هنا جاءت أسباب منحه جائزة ألفرد باور (تيمناً باسم مؤسس المهرجان) التي تعطى سنوياً لفيلم يفتح آفاقاً جديدة ما وهو بالفعل فتح هذه الآفاق من منظور مختلف يعتمد على فهم مختلف للمكان والزمان في العمل السينمائي متقارباً مع المسرحي الألماني بريشت في فهمه للاغتراب ولحركة المسرح خارج تعريفاتها اليونانية الكلاسيكية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بغض النظر عن الجوائز التي نالها الفيلم بما فيها جائزة النقاد ("فيبريسي") هو لماذا أشرك في المسابقة؟ أما كان الأجدى بمنظمي الدورة عرضه خارجها كنوع من الاحتفاء بسينمائي كبير، منجزه أكبر من مسابقة وجائزة! كما فعلت مع لارس فون تريه الذي عرضت له الجزء الأول (نسخة طويلة) من فيلمه الجديد "نيمفومانيك"، الذي يعتبر إشراكه واحداً من تميزات دورة البرليناله 64 ومكسباً لها على حساب مهرجان كان السينمائي الذي تخاصم معه وخسر فرصة عرض فيلم باكتمال جزئيه سيثير دون شك عاصفة من النقد وردود الأفعال المتباينة.