في عموده الدوري"كلاكيت"وعن الترشيحات النهائية لجائزة الأكاديمية (Academy Award)، المعروفة باسم جائزة الأوسكار، التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الأمريكية، التي ستعلن في حفل على الهواء في الثاني من آذار القادم، كتب الصديق الناقد
في عموده الدوري"كلاكيت"وعن الترشيحات النهائية لجائزة الأكاديمية (Academy Award)، المعروفة باسم جائزة الأوسكار، التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الأمريكية، التي ستعلن في حفل على الهواء في الثاني من آذار القادم، كتب الصديق الناقد السينمائي علاء المفرجي، في معرض حديثه عن فيلم "ذئب وول ستريت" المرشح لعدة جوائز أوسكار، هو للمخرج الفذ مارتن سكورسيزي، عن الممثل ليناردو دي كابيريو الذي يلعب الدور الرئيس فيه: (...، الذي قدم حتى هذه اللحظة أدوارا جعلته بين الصفوة من عمالقة الأداء السينمائي على مدى تاريخ السينما الأمريكية. وربما ستكون دورة هذا العام للأوسكار فاصلة في مسيرة هذا الممثل وهو الذي يحفظ للجائزة محاولاته المضنية السابقة في كسب ودها. وفي حال كانت أوسكار الممثل الأفضل من نصيبه أو لم تكن فإن ذلك بلاشك سيكون الحدث الأبرز في أوسكار هذا العام . خاصة مع الأداء المذهل الذي قدمه في هذا الفيلم).
فهل سيحتضن ليناردو دي كابريو العم أوسكار بين يديه أم أن لعنة مارتن سكورسيزي مع الأوسكار ستلاحقه أيضا؟
أول مرة تعرفت شخصيا على ليناردو دي كابريو (مواليد 1974) كممثل كانت في فيلم " ماذا يأكل جلبرت جريب ؟" (1993) للمخرج الأمريكي ـ السويدي الأصل لاسي هالستروم ، الذي عرف بإخراجه لكليبات الفيدو فرقة آبا الموسيقية السويدية الشهيرة وإخراج أفلام هوليوودية عديدة. في الفيلم لعب دي كابريو دور الصبي المعوق "أرني جريب" ، في دراما عائلية ، حيث يعاني الابن الأكبر "جلبرت جريب" (جوني ديب) من هموم رعاية العائلة التي هرب منها الأب بشكل غامض وتركه مع أخت غير متزوجة واخ معوق وأم مفرطة السمنة، التي يوم وفاتها تعذر نقلها فأرادت السلطة المحلية ان تجلب رافعة خاصة لذلك، فقرر الابن حرق المنزل مع جثة والدته تحسبا للفضيحة. في هذا الفيلم، وهي أول مشاهدة لي لدي كايبرو وكنت حينها لا أعرف اسمه، لم اصدق بان هذا الممثل الشاب الوسيم (19 عاما يومها) لم يكن معوقا حقيقا فقد تلبس الدور بشكل مذهل. بعد البحث عن الفيلم وما يتعلق به اطلعت كيف ان دي كابريو لأجل الفيلم زار عدة مصحات نفسية وقابل العديد من المرضى راقبهم وتحدث معهم ليساعده ذلك في تقمص الدور. لم يكن "أرني جريب" في الفيلم شريرا بقدر ما كان مشاكسا ومتعبا لأخيه الأكبر، وقدمه دي كابريو باحتراف عال وإقناع أهله حينها للترشيح لجائزة الأوسكار عن فئة افضل دور مساعد وليكون اصغر ممثل في تاريخ هوليوود يترشح بهذا العمر. وتوالت الأدوار التي لعبها ديكابريو بعبقرية الممثل المجتهد الذي لا يكرر نفسه، ليكون واحدا من النجوم المرتفعي الأجر ــ عشرين مليونا عن فيلمه الأخير ، ليس لأن مجلات الموضة والمجتمع المخملي اختارته كواحد من اجمل خمسين رجلا في العالم أو لأنه حمل الرقم 36 من بين 100 رجل اكثر إثارة وإغراء ، لكن لإمكاناته التي صقلها ببدايات تلفزيونية ناجحة، وثم أدوار سينمائية متواضعة، وثابر لتنمية قدراته التي أهلته للعمل مع مخرجين سينمائيين متميزين مثل جيمس كاميرون (تايتانيك 1997) ، وودي آلن (الشهرة 1998)، ستيفن سبيلبرغ (أمسكني لو استطعت 2002) كلينت إيستوود (جيه إدغار هوفر 2011)، وبالطبع أعماله المتميزة مع مارتن سكورسيزي، الذي اعتبره "روبرت دي نيرو جديد في عالم السينما". أول أعماله مع مارتن سكورسيزي كان فيلم عصابات نيويورك 2002، ثم توالت البقية : الطيار2004 ،المغادرون 2006،جزيرة المصراع 2011، هذه الأفلام التي عززت العلاقة بين دي كايبيرو وسكورسيزي، التي يبدو أنها جعلت "لعنة الأوسكار" تنتقل من المخرج إلى الممثل!
مارتن سكورسيزي (مواليد 1940 ) ظل منبوذا من قبل الهيئات المسؤولة عن جوائز الأوسكار لفترات طويلة، رغم تقديمه أهم الأفلام للسينما العالمية ، خصوصا تلك الأعمال التي تعاون فيها مع الممثل روبرت دي نيرو، لكنه لم يتوقف في أفلامه عن تعرية الحلم الأمريكي من منطلقات فكرية ليبرالية، ففيلم "سائق التاكسي" 1976 ، بحث الأسباب التي دعت الشاب " ترافيس بيكل" (روبرت دي نيرو)، البسيط والمحدود التعليم لأن ينفجر بشكل عنيف ومدمر. فهذا الجندي العائد من حرب فيتنام وجد ان البلاد التي حارب لأجلها تسير إلى الهاوية ويرى فساد السياسيين وانتشار الدعارة والمخدرات فيقرر التغيير على طريقته. وتوالت أفلام مارتن سكورسيزي متأملا المجتمع الأمريكي من الداخل متناولا شخصيات متأزمة ، غير محبوبة، ففي فيلم "الثور الهائج"1980 (مع دي نيرو أيضا) قدم سيرة الملاكم "جيك لاموتا"،الذي امتاز بالعنف والوحشية والوسواس ودمر علاقته مع زوجته بسبب غيرته وعزل نفسه عن الآخرين، وحتى في أفلامه التي تناولت قصص العصابات والجريمة سلط الضوء على الحياة الأمريكية التي تنتهك أمنها الجريمة والفساد، وفي فيلمه "المغادرون" 2006،الذي أخيرا تنازلت هوليوود ومنحته الأوسكار لأجله، من بعد خمسة ترشيحات كأفضل مخرج وترشيحين لأفضل سيناريو، تناول الفساد المستشري في أجهزة الشرطة التي يتطلب ان تكون حافظة للقانون. لم يكن فيلم "المغادرون" أفضل أفلام مارتن سكورسيزي، لكن هوليوود شهدت الكثير من التغيرات منها ظهور تيار جديد من المخرجين والمنتجين الذين تمردوا على سيطرة الرأسمال الهوليوودي المتشدد المرتبط بسياسات الدولة ، وعملوا لإنتاج أفلام تتمرد على الرقابة الحكومية وأجهزتها البوليسية التي تدس أنفها في كل مشهد وحوار، وتعالى الكثير من الأصوات الناقدة والناقمة لنزع "اللعنة" عن المخرج ، الذي يوم تسلم الأوسكار لأفضل مخرج سينمائي، كان قد بلغ عتيا من العمر وقدم سلسلة طويلة من الأعمال الفنية المهمة.
وها هو دي كايبيرو يسير على خطى مخرجه وصديقه. تتكرر ترشيحاته لجائزة الأوسكار دون أن ينالها، فقد سبق ان كان له ترشيح كأفضل ممثل مساعد وترشيحان كأفضل ممثل رئيسي، يضاف لها ترشيحه الأخير كأفضل ممثل رئيس عن فيلم "ذئب وول ستريت".
لو تابعنا أسباب ما سميناه "اللعنة"، لنجد ان تواصل مواقف عدم الرضى في دوائر هوليووود واللوبي السياسي اليميني من أعمال سكورسيزي، التي جعلت من بعض النقاد يطلقون عليه لقب "المخرج المكروه في هوليوود" بسبب أفلامه الناقدة للمجتمع الرأسمالي، هي السبب الأساس لهذه "اللعنة"، فكيف سيكون الأمر مع ديكابريو الذي يصنف سياسيا كليبرالي ديمقراطي، وهذا يضعه في مواقع اليسار، فهو يجاهر بدعمه للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، بيل كلينتون، آل غور، وفي مواجهة جون كيري مع جورج دبليو بوش عام 2004 تجول دي كايبيرو مع كيري في أنحاء أمريكا في 11 ولاية وألقى عشرين خطابا ضد الحرب والسياسة الخارجية الأمريكية، وفي ما بعد جدد الدعم لباراك أوباما وساهم في حملات جمع التبرعات له وعمل لأجل فوزه. وليس خافا عن احد عمله ونشاطه في مجال البيئة ،إذ تبرع بالملايين من أمواله الخاصة لمشاريع وبرامج بيئوية حول العالم ، وأنتج وساهم في الفيلم الوثائقي " الساعة الحادية عشرة" الذي ألقى اللوم بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري على العصر الصناعي ومنها الشركات الأمريكية ،و دان السياسة البيئية الأمريكية التي لا تفعل ما يكفي لحماية بيئة الأرض ومواجهة خطر انتشار الغازات وارتفاع حرارة الأرض، ومعروف ان الولايات المتحدة لم توقع على العديد من الاتفاقيات البيئية العالمية وتنال النقد لأجل هذا كل يوم.
فاذا كانت الأميرة ديانا ــ كما يقول البعض ــ فقدت حياتها لأنها تورطت في برامج أدت إلى خسائر كارثية للشركات المصنعة للألغام الأرضية، فهل سترضى دوائر المال والرأسمال ومن يرتبط بها من السياسيين ، عن ديكايبرو، وتجعله يهنأ بالأضواء والأوسكار وهي تراه يمول ويمثل فيلما يفضح فيه الجشع الأمريكي وحياة الفساد والخداع والمجون في عالم الرأسمالية التي تبني حلما يتهاوى أمام أزماتها المستعصية؟؟
لو فاز ليناردو دي كابيريو بالأوسكار هذا العام، عندها يمكن القول :إن العمل المتفاني والإصرار للفنانين المبدعين نجح في تحدي وكسر "اللعنة" ، وإن أشياء كثيرة في الحياة حقا تتغير!