هذا أمر لا يحصل إلا مع الدول الفقيرة .. ونحن ولله الحمد لسنا دولة فقيرة وفقاَ للأرقام التي تتحدث عن ميزانية سنوية ضخمة ربما تساوي مجموع ميزانيات أربع دول خليجية..نعم أربع دول خليجية بالتمام والكمال ،وهذا ليس من عندي طبعاً وإنما هو حديث الأرقام التي لا تقبل الخطأ أو المبالغة أو التشكيك!
ومع ذلك فان الأرقام هذه باتت تبدو وكأنها تمد لسانها لنا لتسخر من كل مَن يتحدث بلغة الواثق من إمكانيات العراق وقدرته على تمويل احتياجاته وسـد نفقات مشاركاته بما فيها مشاركات منتخباته الوطنية في البطولات الخارجية.
فقبل أيام كان هناك مَن يحدثنا عن حكاية المائة ألف دولار التي استدانها اتحاد الكرة من "صاحب مطعم" في الأردن ليسد نفقات وفده هناك.. ثم أُضيف إليها ما تناوله الكثيرون عن السلفة الاولمبية التي أنقذت وفدنا لمونديال الشباب في تركيا من إعلان الإفلاس على مرأى ومسمع من الجميع..وبعدها تواصلت حلقات مسلسل " ضيق يــد اتحاد الكرة " ليصل به الأمر الى إلغاء معسكر منتخبنا الأولمبي الذي كان مقرراً ان يقام في الدوحة على مدى 5 أيام قبل بدء منافسات بطولة غرب آسيا التي احتضنتها الدوحة مؤخراً بحيث اضطر الاتحاد الى تأجيل رحلة المنتخب أكثر من مرة لأنه غير قادر على سد تكاليف وفده قبل اليوم المحدد لبدء تضييف وفود تلك البطولة.
قد نسأل أولاً .. أين ميزانية اتحاد الكرة ، وكيف تنفق أمواله ، وما الضوابط المعتمدة في هذا الجانب ، وهل من برمجة حسابية للتعامل مع المتوفر من السيولة المالية أو ما هو متاح من أرصدة وقروض وفوائد واستحقاقات وسُبل تمويل أخرى ؟!
ثم نسأل أيضاً..هل كان اتحاد الكرة المعني صائباً في تعاملاته المالية وحريصاً على مبدأ التوازن بين الإنفاق والضرورات أم انه كان يتعامل وفق شعار" إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"؟!
الواضح طبعاً أن شيئاً من هذا الذي نتساءل عنه لم يكن ليدور في خلد أحـد والدليل هو ذاك " التخبط " الذي أدى بالاتحاد إلى حــد "الاستجداء" أكثر من مرة برغم أن مدخولاته لم تكن شحيحة أبداً، بل هي تكفي لتسيير أموره بأفضل صورة ولكن بشيء من الحكمة والتعقل وعدم الإسفاف أو المبالغة في بسط اليــد على طريقة أولئك الذين لا يعرفون كيفية التحكم بما لديهم من أموال !
ومع إننا حمَّلنا ونحمِّل اتحاد الكرة المعني مسؤولية مثل هذه الفوضى المالية الضاربة التي أوصلته إلى حد "الاستجداء" حينا أو التقصير في حقوق منتخباتنا ومستلزمات معسكراتها ومشاركاتها حيناً آخراً ، إلا إن ذلك لا يُبرىء أيضاً ساحة المسؤولين عن الرياضة العراقية خارج حدود هذا الاتحاد.
فما دام الأمر يتعلق بسمعة العراق ورياضة العراق فإن المسؤولية ستكون أكبر وأوسع بالتأكيد.. إذ لم يعد مقبولاً أبداً أن يُترك الحبل على الغارب بمثل هذه الطريقة التي تسيء إلى سمعتنا كرياضة وكبلد أيضاً .. فإذا ما كان هناك بالأمس من رضا للرياضة العراقية أن تتسكع عند أبواب الآخرين لتستجدي معسكراً هنا أو تحمّل نفقات مشاركة هناك بأسوأ سُبل الإذلال وأكثرها بؤساً تحت حجج الحصار وشحة العملة الصعبة فإن الأمر لم يعد مقبولا أبداً اليوم بعد ان أصبح للعراق مثل هذه الميزانية الضخمة التي لا نرى فيها خيراً أبداً إن لم تكن قادرة على حفظ كرامتنا ومحو الخدوش التي شوَّهت صورتنا أمام الآخرين!
أما إذا كانت هناك من أخطاء أو زلل أو تجاوزات تُحسب على جهة ما مثل اتحاد الكرة فان ذلك يجب أن لا يبرر القبول بـ"منهج الاستجداء" سيء الصيت ، مثلما يجب أن لا يُثني الجهات المسؤولة الأخرى عن دورها في المعالجات التي تحفظ لنا ماء الوجه على الأقل وتأخذ بأيدي لاعبينا ومنتخباتنا صوب ناصيات النجاح خدمة لعراقنا العظيم بعيداً عن كل ما يسيء لنا ويخدش أي انجاز يمكن أن نحققه هنا أو هناك.
منهج "الاستجداء"
[post-views]
نشر في: 26 فبراير, 2014: 09:01 م