TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نحن بحاجة لدكتاتور..!

نحن بحاجة لدكتاتور..!

نشر في: 26 فبراير, 2014: 09:01 م

سعد أحمد

حين يفقد الإنسان بوصلته "البايولوجية"، وتختلط عليه الاتجاهات والمفاهيم، تضيع الحقائق، وتتحول البديهيات نفسها إلى معضلة معقدة، والخطأ إلى اجتهاد، والجريمة إلى وجهة نظر!

خلال عقود الاستبداد التي أوهمنا انفسنا بانها انتهت إلى غير رجعة، تغيرت ملامح البشر وفقدت المدن هوياتها، وانزاحت القيم لتحل مكانها هلوسات أنتجها الخوف، وتدثّرت بطلب الستر والعافية، بعد ان صار الابناء "عيوناً" دون قصد، للدكتاتور، والزوجات فقدن حصانة الانتماء للبيت والأسرة، طمعاً في الحصول على تكريم الطاغية، بتسميتهن "الماجدات".
والكارثة المُحْدِقة، اليوم، أن اللوثة الطائفية جرفت شرائح واسعة من المجتمع، ونالت من عُذريّة فئات من نخبة النخب الثقافية في الضفتين الممسوستين بِعَطل الانحياز المميت إلى الطائفة، إن هما تقاسمتا اللونين الأسود والأبيض، فالآخر هو الأسود، حتى وان عُرض تحت الأشعة "البنفسجية" وخضع لتأثيراتها "الكيمياوية"! وكل ما يأتي به "القائد الضرورة" من محرمات وفق نواميس الحياة والسياسة والقيم السماوية، هو حلال ويوجد له تبرير فوري.
والاشكالية المثيرة للشجن، ان هذا التبرير يأتي من الناس الاكثر تضرراً من الحكم وامراء الطائفة، اولئك الذين يعيشون فوق جمر الفاقة، وعلى هامش المجتمع، بلا حياة كريمة، ولا خدمات ولا عمل ولا امن، بل يرون بأُم أعينهم ما يجري بحقهم من عنت واستغلال وجور، وما تنتشر حولهم من أوبئة الفساد والتفسخ القيمي.
هؤلاء الضحايا، الذين يتقاسمون فيما بينهم نكد السلطة والدولة الفاشلة "دافش"، هم من يبتدعون خلال مواجهتهم صنوف العذاب والتمييز الفظ، أشكال التبريرات الفجّة للحاكم بأمره، ويزينون صورته وفريقه المترهل، ويرون فيه صورة المنقذ، حتى وان جاءت تبريراتهم اكثر فساداً من الفساد المنتشر كالوباء في كل زاوية من زوايا البلاد، حيث يعشّش لصوص النهار.
كان من الممكن أن نتفهم قصر نظر وقلة إدراك مواطن يكتوي بداء الطائفية ونيرانها، ويواجه الموت اليومي بمفخخات التكفيري وأحزمته الناسفة، ويتوهم انه كـ"المستجير من الرمضاء بالنار"، فيعض على مواضع الوجع، ويقبل بواقع الحال رغم مأساويته، على يد الآمر الناهي من ضلع طائفته، دون وجه حق.
اما وان صاحبنا "مثقف" ويدعي رجاحة العقل، وناصية الحكمة، فتلك هي المصيبة!
يقول صاحبنا، إن البلد بحاجة إلى دكتاتور! وأن التاريخ يشهد على ذلك، فالعصور الذهبية التي مرت على العراق، لم يتحقق له فيها المجد الا وكانت قيادته لرجل دولة شديد البأس والحزم، على قدرٍ من حس المغامرة والاستعداد للحسم في لحظات الخدر والخطر التي تنذر بالويلات!
ويستطرد "المتذاكي"، لافتاً الانتباه إلى ما يواجهنا اليوم من أخطار وتداعيات من كل صوب، فيرى انها كلها تحتاج الى يدٍ من حديد وارادة من فولاذ، وفي جوٍ يتوارى فيه "القادة" المزعومون في التحالف الشيعي خلف خيباتهم لا يتجرأون باتخاذ موقف يُحسب لهم، فمن اولى بالمالكي ليتصدى لكل هذه الاحاطات الخطرة؟ مَن مِن هؤلاء كان يستطيع ان يدير الدولة والحكومة، ثم يمسك بيده رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية والدفاع والمالية وكل الخيوط الخفية التي بدونها لا يمكن تحريك عجلة الدولة؟!
منطق قابل للنقاش! قلت له: في تاريخ العراق وعصوره "الذهبية" برز اسم الحجاج بن يوسف الثقفي وزياد ابن ابيه، وشريط من المستبدين، آخرهم صدام حسين، فهل تقصد هؤلاء، لان احداً منهم لم يكن يحمل هوية طائفتك..!
قال: للاسف..!
وأردف: اذاً لماذا تضيقون ذرعاً بدكتاتور واحد شيعي..؟! 
اللهم اني لست من المتضايقين، فأكمل لكل طائفي من هذه الطينة، سيرة الحجاج على يد دكتاتوره..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. nabil

    في مراحل معينة بتاريخ الامم وانقاذ المجتمع من الفوضى والقتل يحتاج لقائد تاريخي عادل قوي ممكن تسميه ديكتاتور ؟ اذا الديقراطية تحولت الى فوضى والاقتتال الداخلي وغير عادلة اي بديل اذا افضل من الوضع الحالي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram