سعد أحمد
حين يفقد الإنسان بوصلته "البايولوجية"، وتختلط عليه الاتجاهات والمفاهيم، تضيع الحقائق، وتتحول البديهيات نفسها إلى معضلة معقدة، والخطأ إلى اجتهاد، والجريمة إلى وجهة نظر!
خلال عقود الاستبداد التي أوهمنا انفسنا بانها انتهت إلى غير رجعة، تغيرت ملامح البشر وفقدت المدن هوياتها، وانزاحت القيم لتحل مكانها هلوسات أنتجها الخوف، وتدثّرت بطلب الستر والعافية، بعد ان صار الابناء "عيوناً" دون قصد، للدكتاتور، والزوجات فقدن حصانة الانتماء للبيت والأسرة، طمعاً في الحصول على تكريم الطاغية، بتسميتهن "الماجدات".
والكارثة المُحْدِقة، اليوم، أن اللوثة الطائفية جرفت شرائح واسعة من المجتمع، ونالت من عُذريّة فئات من نخبة النخب الثقافية في الضفتين الممسوستين بِعَطل الانحياز المميت إلى الطائفة، إن هما تقاسمتا اللونين الأسود والأبيض، فالآخر هو الأسود، حتى وان عُرض تحت الأشعة "البنفسجية" وخضع لتأثيراتها "الكيمياوية"! وكل ما يأتي به "القائد الضرورة" من محرمات وفق نواميس الحياة والسياسة والقيم السماوية، هو حلال ويوجد له تبرير فوري.
والاشكالية المثيرة للشجن، ان هذا التبرير يأتي من الناس الاكثر تضرراً من الحكم وامراء الطائفة، اولئك الذين يعيشون فوق جمر الفاقة، وعلى هامش المجتمع، بلا حياة كريمة، ولا خدمات ولا عمل ولا امن، بل يرون بأُم أعينهم ما يجري بحقهم من عنت واستغلال وجور، وما تنتشر حولهم من أوبئة الفساد والتفسخ القيمي.
هؤلاء الضحايا، الذين يتقاسمون فيما بينهم نكد السلطة والدولة الفاشلة "دافش"، هم من يبتدعون خلال مواجهتهم صنوف العذاب والتمييز الفظ، أشكال التبريرات الفجّة للحاكم بأمره، ويزينون صورته وفريقه المترهل، ويرون فيه صورة المنقذ، حتى وان جاءت تبريراتهم اكثر فساداً من الفساد المنتشر كالوباء في كل زاوية من زوايا البلاد، حيث يعشّش لصوص النهار.
كان من الممكن أن نتفهم قصر نظر وقلة إدراك مواطن يكتوي بداء الطائفية ونيرانها، ويواجه الموت اليومي بمفخخات التكفيري وأحزمته الناسفة، ويتوهم انه كـ"المستجير من الرمضاء بالنار"، فيعض على مواضع الوجع، ويقبل بواقع الحال رغم مأساويته، على يد الآمر الناهي من ضلع طائفته، دون وجه حق.
اما وان صاحبنا "مثقف" ويدعي رجاحة العقل، وناصية الحكمة، فتلك هي المصيبة!
يقول صاحبنا، إن البلد بحاجة إلى دكتاتور! وأن التاريخ يشهد على ذلك، فالعصور الذهبية التي مرت على العراق، لم يتحقق له فيها المجد الا وكانت قيادته لرجل دولة شديد البأس والحزم، على قدرٍ من حس المغامرة والاستعداد للحسم في لحظات الخدر والخطر التي تنذر بالويلات!
ويستطرد "المتذاكي"، لافتاً الانتباه إلى ما يواجهنا اليوم من أخطار وتداعيات من كل صوب، فيرى انها كلها تحتاج الى يدٍ من حديد وارادة من فولاذ، وفي جوٍ يتوارى فيه "القادة" المزعومون في التحالف الشيعي خلف خيباتهم لا يتجرأون باتخاذ موقف يُحسب لهم، فمن اولى بالمالكي ليتصدى لكل هذه الاحاطات الخطرة؟ مَن مِن هؤلاء كان يستطيع ان يدير الدولة والحكومة، ثم يمسك بيده رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية والدفاع والمالية وكل الخيوط الخفية التي بدونها لا يمكن تحريك عجلة الدولة؟!
منطق قابل للنقاش! قلت له: في تاريخ العراق وعصوره "الذهبية" برز اسم الحجاج بن يوسف الثقفي وزياد ابن ابيه، وشريط من المستبدين، آخرهم صدام حسين، فهل تقصد هؤلاء، لان احداً منهم لم يكن يحمل هوية طائفتك..!
قال: للاسف..!
وأردف: اذاً لماذا تضيقون ذرعاً بدكتاتور واحد شيعي..؟!
اللهم اني لست من المتضايقين، فأكمل لكل طائفي من هذه الطينة، سيرة الحجاج على يد دكتاتوره..!
جميع التعليقات 1
nabil
في مراحل معينة بتاريخ الامم وانقاذ المجتمع من الفوضى والقتل يحتاج لقائد تاريخي عادل قوي ممكن تسميه ديكتاتور ؟ اذا الديقراطية تحولت الى فوضى والاقتتال الداخلي وغير عادلة اي بديل اذا افضل من الوضع الحالي