TOP

جريدة المدى > عام > باكو دي لوثيا: صورة عراقية

باكو دي لوثيا: صورة عراقية

نشر في: 28 فبراير, 2014: 09:01 م

لا جديد يمكن أن نضيفه هنا على وصف عبقري أنغام الفلامنكو والجاز المعاصر، الموسيقار الإسباني باكو دي لوثيا الذي رحل قبل يومين بتعرضه لأزمة قلبية أثناء إجازة عائلية على شاطئ كانكون المكسيكي. لا جديد حين نصفه بأنه أعظم عازفي الغيتار في عصرنا، والإسباني

لا جديد يمكن أن نضيفه هنا على وصف عبقري أنغام الفلامنكو والجاز المعاصر، الموسيقار الإسباني باكو دي لوثيا الذي رحل قبل يومين بتعرضه لأزمة قلبية أثناء إجازة عائلية على شاطئ كانكون المكسيكي.

لا جديد حين نصفه بأنه أعظم عازفي الغيتار في عصرنا، والإسباني الملهم لمئات المؤلفين والعازفين وملايين الناس في العالم، لكن ما هو يستحق التوقف هنا، هو رسم صورة له بملامح عراقية، لجهة كيف أن هناك الآلاف من العراقيين يعرفون الراحل عبر أعماله الرفيعة الضاربة في الروح والوجدان، وهو ما كان يعني اتصالا للعراقيين بمصادر الثقافة العالمية المعاصرة رغم آفات حياتهم المرعبة: الحروب والحصارات والمنافي.

إنني كتبت بعد نحو ساعة على إعلان موته: أقول وداعا لأوقات هانئة قضيتها صحبتك، ثقفتني وعلمتني فيها وعبرها جعلتني إنسانا أكثر، كما فعلت في عملك المدهش " زرياب". وهو عمل لا يعيد فيه الراحل باكو دي لوثيا، الاعتبار بروح أخاذة للبغدادي المهاجر إلى الأندلس: زرياب، وإنما يكشف عن اتصال ثقافي لابن إسبانيا المعاصرة مع تاريخها الثقافي حتى وإن بدا " وافدا" و"غريبا"، كأنه في ذلك يذكرنا بفكرة الاتصال الثقافي العابر للهويات والقوميات: الثقافة بوصفها نشاطا إنسانيا.

وتقول الروائية والكاتبة لطفية الدليمي عنه، بحسرة: "هل رحل الساحر ؟ سلاما لكل روح نشرت الجمال على الأرض، سلاما باكو دي لوثيا".

فيما قال المؤلف الموسيقي والعازف نصير شمة تعليقًا على وفاة دي لوثيا، إن الأخير كان "أهم عازف في إسبانيا والعالم للفلامنكو غيتار"، مشيرًا إلى أنه "منح الغيتار تفردًا لم يحصل من قبل مطلقًا، وكان ينوي أن يختم حياته الفنية العام المقبل بجولة موسيقية لعديد من دول العالم، منها ما تم الاتفاق عليه لنقدم معًا حفلاً مشتركًا بيننا في مهرجان أبو ظبي 2015 ثم نتجول بشراكتنا الفنية للعالم، لكن الموت أدركه قبل ذلك".

ويبدو دقيقا ما يذهب إليه الموسيقي العراقي من أن "غياب دي لوثيا، لا يعوضه عشرات العازفين كونه أحدث نقلة كبيرة وجوهرية في آلة الغيتار وفتح آفاق التعبير والتكنيك إلى ما لا نهاية"، مستدركا بتأثر "أشعر بألم حقيقي لفقدانه كونه أضاء الجمال في نفوس الملايين من جمهوره بمعظم بقاع العالم، بجمال روحه وأنامله الكاملة وموهبته الفذة، وأحيا الأمل لمئات آلاف العازفين على الغيتار، وبرحيله انطوت سيرة حياة مبدع من طراز رفيع جدًا، وستبدأ دراسات عن قيمته في كل العالم سرعان ما سيتحول لأسطورة وهو كذلك".

ويكتب العازف العراقي على الغيتار المقيم في أميركا، بيرج زاكريان عن رحيل دي لوثيا: " اليوم نرثي واحدا من أعظم عازفي الغيتار في العالم، ليغمر روحك السلام، من منا قادر على نسيان أسطوانتك "ليلة السبت في سان فرانسيسكو" ؟ إنك ستكون عصيا على النسيان وحاضرا عبر موسيقاك التي ألهمت الكثيرين".

تعود صلتي الشخصية بأعمال دي لوثيا، إلى سبعينات القرن الماضي حين كنت ضمن تيار من الشباب العراقي المنفتح على تيارات التجديد الموسيقية في العالم، وفي تلك المرحلة تعرفت على أعماله، مثلما تعرفت على أعمال موسيقي وعازف بارع آخر على الغيتار، ومؤلف مبهر، هو كارلوس سانتانا، وكنت أقتني أكثر من أسطوانة لهما، غير ان تحولات البلاد ما بين الحروب والمنفى لاحقا، جعلتني أفتقد ما اقتنيت من تلك الأعمال الموسيقية اللافتة، غير ان لحظة عراقية نادرة أعادتني ليس إلى سحر موسيقاه وحسب، بل إلى اكتشاف نبع من الصداقة مثله التشكيلي العراقي المقيم في إسبانيا ظافر العبيدي، الذي كان قد أقام معرضا في العاصمة الأردنية، كان فرصة للتعرف إلى شخصية عراقية أخرى مجبولة بالإبداع والنقاء الإنساني. سألني العبيدي وهو يتابع كتابتي في النقد الموسيقي، إذا ما كنت أعرف من أعلام الموسيقى المعاصرة في إسبانيا، اسما ما؟ فأخبرته على الفور بتأثر بالغ: باكو دي لوثيا، ليسألني عن سر الشجن في حديثي عنه، فقلت له كيف إنني اضطررت إلى بيع أسطوانته بسبب ظروف الحرب والحصار، ضمن مكتبة موسيقية تبددت شيئا فشيئا.

بعد مغادرته عائدا إلى إسبانيا، بنحو شهر أرسل لي العبيدي الرقيق، طردا فيه ثلاثة أعمال موسيقية، بينها أسطوانة مزدوجة ( دبل سي دي) توثق معظم أعمال دي لوثيا الشهيرة، ومن بينها عمله الفذ "زرياب" الذي كان قد كتبه وفق شكل الكونشرتو للغيتار والأوركسترا. وحتى اليوم ما انفكت تصاحبني لمسة الصداقة الناعمة هذه التي تفنن بصوغها عراقي كريم ومهذب. وإذ أقول :وداعاً دي لوثيا، إنما أقول :شكرا للفنان ظافر العبيدي نبع الصداقة والروح الندية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"ذو الفقار" يستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية

مالية البرلمان تحدد أهداف تعديل قانون الموازنة

نائب عن قانون تعديل الموازنة: من المستبعد إقراره خلال جلسة الغد

مفاجأة مدوية.. نائب يكشف عن شبكات تتجسس على المرجع السيستاني

برلماني يصف الوضع السوري بـ"المعقد": العراق يسعى لحماية مصالحه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram