بغداد /رويترزبعد أن قيدت سنوات من الدكتاتورية واراقة الدماء الحريات الفنية ساعد انخفاض الاعتداءات الارهابية على بدء نهضة للفن العراقي على استحياء في متنزه يطل على نهر دجلة حيث ينحت عشرات النحاتين الرخام ليصوغوا رؤيتهم الخاصة عن المرونة العراقية.
وتجسد احدى المنحوتات امرأة حامل تحاول الحفاظ على توازن دلو للمياه على رأسها بينما تجسد أخرى أنثى طائر تحمي البيض تحت جناحيها. ولا يأتي اي من هذه الاعمال بجديد في البلاد التي يعتبرها المؤرخون مهد الحضارة. لكن بعد عقود من لعب دور الة الدعاية لصدام أعقبتها سنوات من العيش في رعب من الميليشيات الدينية بعد التغيير الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 يشعر الفنانون بالرضا لمجرد السماح لهم بممارسة حرفتهم. وقال ناصر السامرائي وهو منكب على العمل في اطار مشروع أقامته الحكومة المحلية لمدينة بغداد لتشجيع الفن: انه في الماضي كان فن النحت يوظف لخدمة النظام السياسي لكن اليوم انطلق خيال الفنان. وورشة العمل المقامة في الهواء الطلق والمطلة على النهر حيث يعمل السامرائي من بين المؤشرات على عودة الفن على استحياء في الساحة الفنية التي كانت مزدهرة ذات يوم ببغداد والتي عاشت عصرا ذهبيا بعد القرن الثامن في عهد الخلافة العباسية. وكان الفن العراقي نابضا بالحياة في القرن العشرين الى أن بدأت اثار قيادة صدام وحروبه تظهر على الفن. ويقول سعد البصري استاذ النحت بأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد: ان صدام أراد محاكاة الملوك الاشوريين ليخلد نفسه وأعماله وبالتالي لجأ للفن لاغراض دعائية.وتابع: أنه بعد سقوط النظام شهد الفن انتكاسة جديدة في ظل صعود الاصولية واعتبار البعض أن النحت من المحرمات. ولا يزال الفنانون يكافحون لان المحسوبية من قبل النخبة انتهت كما يخشى البعض من أن صعود الهيمنة على الحياة في العراق يمكن أن تؤدي الى فترة تتسم بالمحافظة الدينية. لكن تراجع وتيرة هجمات المسلحين على مدار الاشهر الثمانية عشر الماضية سمح لبعض الفنانين الذين فروا بالعودة ودفعت اخرين الى نقل عذاباتهم الداخلية الى لوحات زيتية. في معرض الرسام قاسم السبتي ببغداد تظهر بقع الطلاء وعلامات أقلام الشمع وقصاصات اوراق الصحف والتفجيرات والاطفال الحائرين ونخيل التمر غير المثمر في رسوم تجريدية للفنانين العراقيين يسرى العبادي وستار درويش.وقال السبتي وهو رسام بارز عرضت أعماله في طوكيو ونيويورك « هناك جيل جديد من الفنانين نشأ خلال هذه الفترة من الصعوبات.»وأضاف «فنانون كثيرون غيروا أسلوبهم ليعكسوا تجاربهم المأساوية وقال:ان المأساة تعيش داخل الفن العراقي وتظهر الحياة والموت جنبا الى جنب.» واستخدم السبتي نفسه اسلوبا جديدا حين رأى كتبا متناثرة بعد نهب مكتبة في الايام التالية للتغيير. واستخدم أغلفة الكتب المصنوعة من الورق المقوى وبقايا الصفحات في تكوين قطع فنية مستطيلة قاسية ذات ألوان براقة. وقال «هذه هي نوعية الفن التي تحدث فجأة.»في شرفة معرضه المظللة يحتسي رجال الشاي يتصفحون الجرائد ويتناقشون أحوال الفن ما يضيف الى مظاهر الحياة المتزايدة على الساحة الثقافية بالبلاد التي كانت قد اندثرت بسبب أعمال العنف التي أعقبت التغيير. وأعيد افتتاح المتحف الوطني العراقي في شباط وبدأت فرقة للعروض الكوميدية تقدم عروضها الشهر الماضي في المسرح الوطني ببغداد. وهذه هي المرة الاولى التي يفتتح فيها المتحف وتقدم الفرقة عروضها. وتقول الحكومة انها شهدت زيادة طفيفة في المعارض الفنية والاحداث الثقافية والتي تحاول أن تضخم من شأنها بوصفها مؤشرا إلى مزيد من الاستقرار قبل الانتخابات العامة التي تجري في كانون الثاني. وعلى الرغم من هذا لا يزال الفنانون مثل السبتي متشككين بشأن المدى الذي يمكن أن يستمر فيه هذا الاهتمام الجديد في غياب الدبلوماسيين والعراقيين الاثرياء الذين يشترون الاعمال الفنية. ويقول ان اعماله الفنية المصنوعة من أغلفة الكتب تباع بقيمة 2800 دولار أمريكي في نيويورك لكنها تستجدي 500 دولار في بغداد. وقال وقد خالجه شعور بالحنين الى الماضي الى الايام التي سبقت التغيير حين تركه مسؤولو صدام الذين حيرهم فنه التجريدي لحاله «الان لدي حرية ممارسة فني لكن ليس هناك مال لتحقيق هذه الاحلام.» وجنبه عرج أصيب به في الطفولة التجنيد للمشاركة في الحرب.وهناك ثلاثة من اكثر من 20 معرضا فنيا كانت موجودة في بغداد قبل التغيير مفتوحة اليوم. وهناك نحو خمسة الاف عضو في اتحاد الفنانين العراقيين لكن بعضاً فضل أن تكون مواهبه موجودة بالخارج.غير أن السبتي لديه أمل في الفن العراقي.وقال «نحن مسلمون لكننا لا نعيش في كهوف. نحن شعب بابل. هذا في جيناتنا.»
الفنانون يشعرون بالرضا لمجرد السماح لهم بممارسة حرفتهم
نشر في: 17 نوفمبر, 2009: 06:10 م