TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من يقول لوزير العدل .. توقف

من يقول لوزير العدل .. توقف

نشر في: 28 فبراير, 2014: 09:01 م

ذات ليلة من ليالي الحرب العالمية الثانية، أطفأ بول ايلوار، اشهر شعراء فرنسا ، أنوار منزله حيث تتصاعد الغارات الجوية، وجلس يكتب، يدون تأملاته ويتساءل: أين المثقف من كل هذا؟ كان ذلك عام 1941. من هم المثقفون؟ وما هو دورهم؟..بعد نصف قرن حاول جان بول سارتر ان يجيب على اسئلة شاعر المقاومة الفرنسية  فيكتب في مجلته "الأزمنة الحديثة": " المثقف هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة.. منذ ايام تدور رحى معركة ثقافية في مصر فبعد  اعلان  رئيس الوزراء عن اختيار الدكتور أسامة الغزالي حرب وزير للثقافة ، اصدر الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي  بيانا رفض فيه هذا  الاختيار  مؤكدا ان  الامر يعد  بمثابة  تجاهل لكل المثقفين من كتاب وشعراء وروائيين ونقاد من الذين يعج بهم الواقع الثقافي  المصري . بعدها أصدر عدد من الأدباء والمثقفين بيانًا أعلنوا فيه رفضهم القاطع  لهذا الاختيار، مؤكدين على أن  الأمر فيه إهانة كبيرة للمثقفين، مما دفع رئيس الوزراء تقديم اعتذار وسحب ترشيح الغزالي.. وقبل ان يذهب الخيال بالبعض ويعتقد ان الدكتور أسامه الغزالي اختصاص باطنية او مجرد مضمد زور شهادته، او انه  ضابط  شرطة سابق، أود ان أخبركم ان الدكتور الغزالي بدأ مشواره المهني صحفي، وهو يعد مرجعا في كافة الشؤون السياسية بالعالم العربي، وحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية وله اكثر من عشر مؤلفات.
في العراق.. الذي يتعرض اليوم لأقسى هجمة من سياسيي العصور الغابرة، فان المثقف العراقي اكتفى بالشجب وكتابة تعليقات خجولة على صفحته في  الفيسبوك او تويتر، ولم نسمع ان مثقفين قرروا ان يعتصموا أمام باب وزارة الثقافة لإجبار الحكومة على إخراج  المثقفين من  سلة المحاصصة البغيضة؟  ولم نجد  من اعلن رفضه الواضح لبقاء وزارة الثقافة رهناً لأمزجة الكتل السياسية، فنجدها مرة رهينة لإرادة شرطي سابق، وأخرى لهارب من أحكام قضائية ، لينتهي بها المطاف إلى "جالسٍ على كرسيين" يجد في كرسي وزارة الدفاع نفعاً وأهمية اكثر من الثقافة.! من يقف اليوم ليعلن بصوت واضح رفضه ان يكون المثقف شريكا فاعلا في دولة أنهكها الفساد والمحسوبية وأحزاب الطوائف والفقر وغياب الأمن والاستقرار.
من حقنا ان نضع أكثر من علامة استفهام ، ونحن نرى البعض من  نخبنا الثقافية تقدم نفسها بمعزل عما يجري في البلاد، فنجد مطالبها ضيقة ، تنحصر في الحصول على دعم مادي، أو إنشاء منظمة مجتمع مدني  ، او السعي للحصول على وظيفة مجزية  ، فيما قضايا مهمة تغيب عن طاولة الحوار، حيث يتجنب المثقف الخوض  في حديث جدي عن الإصلاح السياسي.
بالأمس فقط خرج علينا وزير العدل حسن الشمري ليتحدى كل دعاة الدولة المدنية والمثقفين ومنظمات الدفاع عن الحريات، ليعلن فوز قانونه الخاص بالأحوال الجعفرية، متوهما ان العراقيين قوم يعيشون في الجاهلية وان الرحمن عطف عليهم فارسل الشمري لهدايتهم الى دين الحق، لم يلتفت الوزير، إلى أن الدولة لا تدار بقوانين القرون الوسطى، إنما بعمل مؤسساتي مهني.. وانها لا تحكم بمزيد من القوانين التي تقيد حريات الناس وتشيع الفرقة بينهم، وانما تبنى بمزيد من الخبرات والكفاءات واحترام حريات الناس  .
ولان الوزير يدرك ان لا احد سيحاسبه او يطالب بمساءلته عن عمليات فرار العديد من السجناء تحت أنظار وأسماع وزارة العدل، فيما كان الشمري منشغلا بمناقشة قضايا واستحقاقات انتخابية وكأننا ننعم بالأمن في كل ربوع البلاد.
كان غرامشي يسخر من المثقف الذي ينتقل من تمجيد نموذج إلى التغنّي بنموذج آخر، وأزعم أن المثقف العراقي اليوم  يجد نفسه  أمام ورطه حقيقية، إذا هو  ترك الأمور مضبّبة بهذا دون توضيح، اذ عليه أن يعلن  بوضوح ما هو موقفه مما يجري حوله من احداث  في هذا الوقت العصيب الذي تجتازه البلاد ! وهو السؤال الذي طرحته  امس الروائية لطفية الدليمي وهي تكتب  هذه الجملة المؤثرة عن قانون حسن الشمري: "فليثبت المثقفون العراقيون مواقفهم الآن ويختاروا بين امرين: إما طائفيتهم او علمانيتهم ، إني اتحداهم،  الآن امتحان المواقف .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram