التقينا في حدائق دار ثقافة الأطفال .. قال لي : "الأسبوع القادم سأكون في الشارقة ،سيتم تكريمي من قبل اتحاد المصورين العرب كرائد لفن الفوتوغراف في الوطن العربي ".. لم يكن فرحا بالتكريم قدر فرحه أنه سيتعالج هناك كما وُعد.وفي لقائ
التقينا في حدائق دار ثقافة الأطفال .. قال لي : "الأسبوع القادم سأكون في الشارقة ،سيتم تكريمي من قبل اتحاد المصورين العرب كرائد لفن الفوتوغراف في الوطن العربي ".. لم يكن فرحا بالتكريم قدر فرحه أنه سيتعالج هناك كما وُعد.
وفي لقائنا الأخير حدّثني عن مشاريع جديدة له ، لم يكن يعرف أن ما تبقى له من عمر ليس إلا فسحة لم تكن تكفي على أية حال سوى أن يتأمل في أكثر من خمسة عقود من الإبداع.
الفوتوغراف العراقي يدين له بانعطافته الكبيرة نحو التجديد إضافة للراحل جاسم الزبيدي.. فهم من أولئك الفوتوغرافيين الذين أداموا الصلة الغامضة بين الفن والحقيقة كما تقول سوزان سونتاغ..
أكثر من خمسين عاما وعدسة الفنان الفوتوغرافي فؤاد شاكر تقتنص لحظات الزمن، موثقة أحداثا وأمكنة وشخوصاً..."شاعر الضوء" لقب يمنحه محبو فنه لسيد الضوء والظل الذي يعيد إنتاج اللحظة المقتنصة بعين شاعر وهي تنبض بالحركة وتشع بجمال باذخ..مؤكدة صواب مقولة السينمائي الكبير أورسن ويلز التي تتلخص في أن الأثر لا يكون جيدا إلا عندما تكون الكاميرا عينا في رأس شاعر.
الفكرة من جهة الاعتناء بها وتجسيدها هي ما يشغل فؤاد شاكر فهو لم يدّخر وسعاً في تأكيد ذاته في كل عمل مقترح من أعماله فكان كل عمل قطعة من قلبه والشيء الكثير من نبضه الذي لا يفتر أبدا.
إن الفكرة التي يشتغل عليها فؤاد شاكر لا تقود إلى الاكتشاف بل إنها تمهد لمعرفة حقائق جديدة وإلا فما هي مؤهلاتك في ممارسة فنّ ارتبط ارتباطا وثيقا على الأقل بالواقع المعاش وأوجه الحياة المختلفة في الوقت الذي تجد فيه من لا يعنيه ذلك بشيء.
في حوار طويل لي معه نشر في المدى قبل عامين لخّص فؤاد شاكر مسيرته مع الفوتوغراف قائلا: "إن المراحل التي مررت بها وأنا أشتغل بالحقل الفوتوغرافي كثيرة ،ولعل كل مرحلة منها زادتني معرفة بأسرار صنعتي هذه وقرّبتني أكثر من حياة الناس على مختلف مستوياتهم المعرفية والاجتماعية والمعيشية وهي نقطة البدء بالانشغال بمشروع تصوير الحياة العامة والمحيط البيئي والنماذج المقهورة والمستلبة من البشر المنسبين بعد أن وجدت فيهم من هو أحق من غيره بالجهد وبالصورة الوثيقة كحقيقة منتزعة من صميم المشهد الحي والواقع لكل ما فيه من تناقض وحياة لا تستحق أن تعاش ،وأنا بذلك قد شاطرت الفنان رمزي فكرة الاشتغال على عذابات الإنسان وأزماته مع اختلاف الزمن وتفاقم تلك الأزمات التي عصفت بحياته وظلت تعصف عقودا طويلة ولم تكف عن زيادة حجم مأساته حتى ما بعد دخولنا العقد الأول من الألفية الثالثة من القرن الحادي والعشرين."
الأماكن الخلفية والبشر المهمشون ، والأطفال على شفا العوز والفقر كانت هاجس فؤاد وهي أيضا ما تتحسس منه عدسته يقول في هذا الحوار:" لم أخطط في حياتي أن أفكر بالناس ومتاعبهم الحياتية لكن شيئا فشيئا اكتشفت - وعندما تنامى وعيي أكثر - أنني أنتمي للشرائح الفقيرة منهم، وأبسط الوسائل التي قادتني لاكتشاف موهبتي بوقت مبكر من مسيرة حياتي هي الكريات الزجاجية الملونة التي كنت ألعب بها في دروب حينا الشعبي المترب .ولقد مهدت لي هذه الكرية البلورية بعد أن كنت أنظر من خلالها إلى الدنيا والمديات الرحيبة فأرى مدناً من بلور أن اختار الكاميرا أداة ووسيلة لأطلّ بها على كل ما شيد الإحساس من مشاهد وحركة حياة خاصة بالفعل الإنساني الذي يضفي على الكائنات ذلك السحر الذي لا يوصف."
وبرغم الفائدة الوثائقية التي تجلت بالكثير من أعماله، إلا أنه لا يجد نفسه الوحيد الذي عمل بهذا الجهد.فهو يرى ان الفوتوغراف كفنٍ معاصر واكب كل التحولات والمتغيرات والأحداث المهمة، لذا فإن كل جيل من الأجيال له حصة في ما يكون جديرا بالتسجيل والتوثيق الصوري. وعلى صعيد التراتب فقد عدّ الفوتوغراف من الفنون الطليعية التي أسهمت في تأكيد حضورها الحي في رسم وتجسيد خارطة الحياة البشرية أو تسجيل أحدث اكتشافاتها العلمية التي غيرت من وجه هذا العالم ونقلت حياة المجتمعات من حياة البداوة إلى المدينة.
الفنان فؤاد شاكر المولود في بغداد عام 1949 بدأ حياته الفنية في عام 1960 خلال رحلته الممتدة لأكثر من خمسين عاماً في أكثر من مؤسسة إعلامية وصحفية محلية وعربية ودولية وشارك في العديد من المعارض العالمية والدولية وحصل على عدة جوائز متقدمة في هذا المجال. كتب النقد الفوتوغرافي .