لا يشك أحد في أن قيادة الشيخ حسن نصر الله، وبما يتمتع به من كاريزما، كانت سبباً مضاعفاً في الشعبية التي تمتع بها حزب الله، ليس في لبنان فقط، وإنما في العالم العربي كله، إضافةً لمجموعة من المعارك خاضها ضد الإسرائيليين، لم ينهزم فيها بالمعنى التقليدي، وإن كانت أسفرت عن خسائر جسيمة، دون مبرر حقيقي غير استعراض فائض القوة، التي يتمتع بها الحزب، الذي ظل يُعلن تكريس وجوده للمقاومة والممانعة، قبل أن يتورط على يد قائده في وحل الأزمة السورية، مُسبغاً عليها بُعداً طائفياً، بعد تورطه في زواريب السياسة الداخلية، مُستغلاً سلاح المقاومة في البحث عن مغانم السلطة ومكاسبها.
قبل أربعة عشر عاماً رُفعت أعلام الحزب الصفراء في شوارع لبنان والعالم العربي، احتفالاً بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، لتحل محله قوات المقاومة التي اقتصرت على منتسبي حزب الله، الذين أتقنوا فن مراوغة العدو وكسب الشعبية بين الجماهير، إلى أن وقع زلزال اغتيال الرئيس وفيق الحريري، حيث خرج الشيخ نصر الله ليقول بأعلى صوت شكراً سوريا، رغم أن معظم اللبنانيين اتهموها بالوقوف وراء عملية الاغتيال، كانت تلك الجملة بداية التحول الفعلي العميق نحو أولويات جديدة، برزت فوراً في قراره دخول جنة الحكومة من بوابة المحاصصة السياسية، ما أسقط عنه هالة وقدسية المقاومة المعنية فقط بالتحرير.
بعدها وحسب التعبير اللبناني، كرّت المسبحة، فبينما كان الحزب يدافع عن خطوته، بأنها كانت إجبارية فرضتها الظروف السائدة بعد انسحاب الجيش السوري، جاء الزلزال الحقيقي بعد اختطاف جنديين إسرائيليين، ما استدعى رداً إسرائيلياً مدوياً استمر ثلاثة وثلاثين يوماً وخلّف أكثر من 1400 شهيد وآلاف الجرحى، فضلاً عن تدمير المنازل والبنية التحتية، وأكثر من مليون نازح في الداخل والخارج، صحيح أن مقاتلي الحزب قدموا أمثولة في الدفاع عن وطنهم، لكن الصحيح أيضا أن الأمين العام اعترف برعونة أسر الجنديين، فصرح "لو كنا نعلم أن حجم الرد الإسرائيلي سيكون بهذا الشكل لما أقدمنا على خطف الجنود"، كان ذلك دليلا على التخبط الذي بدأ يسود مواقع القرار.
خطوة أخرى تعد في موقع الخطيئة، ارتكبها الحزب حين احتل بيروت عام 2008، متذرعاً بالمس بشبكة اتصالات "المقاومة"، لينزلق بسذاجة إلى استخدام سلاح المقاومة بالداخل، وضد أبناء شعبه، بعدما كان أشاع أن الاحتلال وجهتها الوحيدة، كان ذلك استغلالاً ساذجاً للشعور بفائض القوة، صحيح أنه نجح بتحقيق مكاسب سلطوية كبيرة، لكنه اكتسب صفة الميليشيا بجدارة، ولم يعد قادراً على نزع هذه الصفة، التي أنزلته درجات من علياء كان اللبنانيون رفعوه إليها.
وأخيرا أتت القشة التي ستقصم ظهر البعير، حين خضع الحزب لأوامر الولي الفقيه، مرة حين رحب بانتصارات الشعوب في الربيع العربي، باعتباره من نتائج ثورة الخميني، والأخرى حين استثنى من الترحيب والمباركة سوريا الأسد كما يسميها، دون خجل أو اعتبار لشعبها، لأنها كما يرى العمود الفقري لمحور المقاومة والممانعة، بهذه الخطوة التي أخذت بُعدا عملياً في وقت لاحق، حين زج بمقاتليه في أتون الثورة السورية، كان يعلن فقدان ذاكرته لفلسطين والاحتلال، توسعت المهمات، فتجاوزت شوارع بيروت لتتخندق في القصير ويبرود، ضد الشعب الذي رفع صور الأمين وأعلام الحزب يوماً، تلك كانت السقوط المدوي للمنظومة الأخلاقية، التي انخدع العرب بها أكثر من عشر سنوات، كانت الجماهير ترفع فيها رايات "حزب الله"، بما هي رمز للمقاومة والصمود والتحرير، وبعدها لم تعد خطابات نصرالله أكثر من بيانات طائفية مقيتة، تترجم الخضوع لمشيئة الولي الفقيه، دون أي اعتبار لمصلحة لبنان واللبنانيين، ومن بعدهم كل العرب.
حزب الله وتحولاته
[post-views]
نشر في: 1 مارس, 2014: 09:01 م