عملت خريطة السياسة العراقية الحالية بتشكيلاتها المنقسمة إلى فريقين طائفيين رئيسيين والمتفرعة منها إلى شرائح سياسية- دينية متباينة في هوياتها ومرجعياتها، على شل أحلام العراقيين في رؤية بلادهم قوية، متماسكة، قادرة على النهوض والوقوف بوجه الفساد والإرهاب والتخلص منهما والاستعداد لدخول المؤسسة الأممية المتحضرة عن طريق الصناعة والاستثمار ومتطلبات الحياة الجديدة على وفق ما تسير عليه بقية شعوب الأرض.
ولتبيان ما أنتجه الانقسام السياسي هذا نجد أن أي كتلة حاكمة، في مجلس أي محافظة في الجنوب او الوسط، ظلت تعمل حبيسة فكرة السيطرة على الكرسي الأول، والتقدم منفردة لتحقيق مشروعها السياسي، لا الخدمي وها نحن نجد أن كتلة المحافظ تعمل بجهد منتقص، ينهض متردداً، متوجساً من مكيدة الكتلة الأخرى، لا يختلف عن الدورة الانتخابية السابقة التي ظل محافظها يعمل بنفس آلية التردد والتوجس من مكيدة الكتلة المناوئة او الكتل المناوئة الأخرى. وهي متوالية دأب النظام الانتخابي على تكريسها منذ العام الاول بعد سقوط النظام السابق، حتى أن ما بذل من جهود خدمية لدى أي كتلة حاكمة لا يشكل سوى نسبة قليلة بالقياس إلى جهودها في منع وصول الكتل الأخرى ومشاركتها موجبات الكرسي ذاته.
في كثير من المؤتمرات التي نحضرها نجد حضورا واضحاً لأحد المسؤولَين الكبيرين (محافظ –رئيس مجلس) ممثلاً بعدد من اصطحب معه، فإذا كان رئيس المجلس على رأس المؤتمر برز معه عدد كبير من كتلته وإذا كان المحافظ على رأس المؤتمر برز معه عدد كبير من كتلته. وهكذا الحال بالنسبة لبقية المناصب الحكومية، الكل يعمل على تقديم مشهده السياسي لا الخدمي، حتى قدم الكثير من مراقبي الحدث المحلي، لمطالبة بعض المسؤولين في قضاء الزبير بجعلها محافظة، تفسيراً سياسيا أكثر مما هو إداري، آيته إضعاف كتلة البصرة أولاً، ومن ثم الإيقاع بها ،حتى إذا تم الأمر لهم وعادت الكتلة الأولى حاكمة امكنها عودة الزبير إلى سابق عهده قضاءً لا محافظةً.
منذ أكثر من شهرين تقريبا والبصرة تعاني من ارتفاع نسبة الملوحة في مياه شط العرب، وكان الاعتقاد السائد أن إيران تطلق مياه البزل باتجاه الأراضي العراقية لتتغير طعوم المياه فيها، فيما تبين أخيرا بان الحكومة المحلية في الناصرية صوتت بأغلبية أعضائها على فتح سدة الخميسية لتغرق أنهار البصرة بكميات هائلة من الأملاح. وقد يبدو الخبر تقليديا جداً إذا كانت جهة ما في وزارة الموارد المائية هناك هي من قام بفعل كهذا، لكن أنْ يُعرض مشروع كهذا على مجلس المحافظة ويصوت عليه بالأغلبية قضية لا تبدو من أعمال الري والزراعة والحاجة للماء إذا ما علمنا بان الغالبية في المجلس هناك من كتلة دولة القانون المختلفة في الأصل مع كتلة المواطن ( البصرة اولاً).
لا نعدم وجود أصحّاء، عقلاء، ممسوسين بهموم ناخبيهم في كلا الكتلتين، وهنا لا نسجّل على الجميع خضوعه لإرادة كتلته، ذلك لأن غالبية الكتل تستعين وفي كل دورة انتخابية بعناصر مستقلة، لا تربطها معها رابطة انتماء حزبي من قبل، نقول لا نستبعد وجود المخلصين في هذا الفريق وذاك لكن لا جامع بينهما، ومن يتفحص عناصر وأعضاء الكتل العراقية الكبيرة يجد الغث والسمين، القوي والضعيف، العاقل والمجنون، التابع والذليل العبد، مقابل المتبوع السيد الحر . لكن لا جامع بين الأعضاء المنقسمين.
قد نختم بدعوة جادة، مخلصة لكي يتفحص كل عضو من أعضاء الحكومات نفسه، ليبحث عن قرينه داخل وخارج كتلته، وليشق عصا الطاعة على فريقه الذي لا يجد بين مشاريعه خدمة أهله وجمهور ناخبيه، ذلك لأنه أقسم على الولاء للوطن والعمل على تقديم مصلحته على أي مصلحة ضيقة. ولم يقسم على الولاء لكتلته وحزبه .
أتقدم بالتحية وأخلع قبعتي للشيوعي جمعة الزيني، رئيس لجنة الزراعة في مجلس محافظة البصرة، كان واحداً من كثيرين في مجلس محافظة البصرة، على اختلاف انتماءاتهم وكتلهم، ظلوا يفكرون بمصلحة مدينتهم قبل ان يكونوا موالين لكتلة بعينها
في تحية جمعة الزيني
[post-views]
نشر في: 1 مارس, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
أبو همس الأسدي
ومع ذلك استاذنا الفاضل ..لازال أمامه الكثير من العمل والجهد المضني والشاق والخطر !! للأيفاء بما ينتظره منه ناخبيه وأهالي البصرة عموما ؟باعتباره يمثل حزبا له مواقفه التأريخية المشهودة وتضحياته من أجل اسعاد الفقراء وتحرير الوطن