ليس مثل قضية فلسطين، للمسلمين والعرب، نموذج مشبوب بخليط من "المقدس" والعاطفة والحنين الى أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين. وليس من قضية قومية- دينية اكثـر تضرراً منها، وموضوعاً للتضحية والتشظي منذ انبعاث منظمات الإسلام السياسي الفلسطينية، بمشاربه
ليس مثل قضية فلسطين، للمسلمين والعرب، نموذج مشبوب بخليط من "المقدس" والعاطفة والحنين الى أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين. وليس من قضية قومية- دينية اكثـر تضرراً منها، وموضوعاً للتضحية والتشظي منذ انبعاث منظمات الإسلام السياسي الفلسطينية، بمشاربها المختلفة، واذرع التيارات السلفية والمتشددة الأخرى الموزعة على مراكز النفوذ العربية والإسلامية، الإقليمية والدولية، التي احتضنت هذه المنظمات ومدتها بأسباب الظهور، والمال والفعل في الساحة الفلسطينية، وعلى امتداد العالم العربي.
وقد وجد الإسلام السياسي في القضية الفلسطينية ضالته، لكي يُجري عليها تجاربه "الميدانية"، على مدارات "دولة الخلافة"، وولاياتها التي تسترجع الماضي، بثنائيته التناحريّة، في بداية الرسالة المحمدية (الدعوة الإسلامية - المجتمع الجاهلي)، وما يرتبط بذلك من تكفير واستنفارٍ وتطرفٍ وحروبٍ وتقسيم للمجتمع.
وارتبط انبثاق منظمات الإسلام السياسي الفلسطينية، بمظاهر الانتكاس والانحدار في عموم البلدان العربية والإسلامية، ونزوعها الى الانقسام في محاور متضادة في السياسات والمواقف، والتوجه نحو تكريس انماطٍ من الأنظمة الشمولية - الاستبدادية، وتصفية المظاهر الجنينية للحريات العامة، غير المستندة الى مؤسسات الحكم الديمقراطية، وما تتضمنه من قيم ومبادئ العدالة الاجتماعية، وشرعنة قيم المواطنة الحرة وحقوق الانسان.
وبدخولها كعنصر فاعلٍ في الساحة الفلسطينية، بدأت منظمات الإسلام السياسي العمل على تصديع العمل الوطني الفلسطيني، وطرح شعاراتٍ تحرج منظمة التحرير وتسعى لنزع وحدانية تمثيلها للقضية الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بإجماع عربي وإقليمي ودولي كان قد تحقق بعد نضالٍ دامٍ طويل. ووجدت دول عربية غير متوافقة او منسجمة مع توجهات منظمة التحرير، في التنظيمات الإسلامية أداة ضغطٍ على المنظمة وتطويق لسياساتها، بذريعة "غياب موقف موحدٍ "للشعب الفلسطيني، يمثل إرادته، ويستطيع توحيد موقفه من أي حل لقضيته، وهذا ما فعلته بالضبط اسرائيل وحلفاؤها في المحيط الإقليمي والدولي، برفضها الانصياع للقرارات الأممية والدعوات المتزايدة المطالبة بوقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة، بدعوى عدم انفراد منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها الشرعية بتمثيل الشعب الفلسطيني، وتعذر اعتمادها كشريكٍ فاعلٍ لإقامة السلام على قاعدة حلٍ مقبول للقضية الفلسطينية بالاستناد الى القرارات الأممية.
وبدلاً من تعزيز مكانة القضية الفلسطينية وتمتين مواقعها في المحافل الدولية، بعد انبثاق تيار الإسلام السياسي، المتشظي هو الآخر في أُطر وتنظيماتٍ متنافرة، حسب امتدادات ولاءاتها، وأولي الأمر عليها، صارت هذه التنظيمات عبئاً اضافياً ينزع نحو شل فاعلية ودور القيادة الفلسطينية، والاصطفاف في المحاور المناكفة لها، تحت الشعارات القومانية والمُمانعة المفرغة من المحتوى، المنحازة الى "مشاريع الأنظمة العربية والاقليمية" ومصالحها القطرية، وحساباتها الضيّقة، والصراعات الحزبية في أجنحتها الموزعة على العالمين العربي والإقليمي. ولم تعد "الخلافات العربية - العربية"هي نقطة ضعف القضية الفلسطينية، وقيادتها، بل أصبحت تنظيمات الإسلام السياسي الفلسطيني "الولود" مثل لعبة "البريوسكا" الروسية، أدوات سلبية في هذا الخلاف الذي شكل خرقاً لم يكن لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
واستغلت التنظيمات المذكورة، تواجد القيادة الفلسطينية في الخارج، وبشكل خاص اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على رأس الكفاح المسلح وفي قلب الحراك الدولي والأممي، لانتزاع الاعتراف منها وتطوير مواقف وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لتثير غباراً عاصفاً حول شرعيتها القيادية باعتبارها تقود العمليات الجهادية من داخل الأراضي الفلسطينية، وتلعب دوراً رئيسياً في قيادة ما يجري في الداخل المحتل من تحركات واحتجاجات ضد الاحتلال. ورغم انطلاق انتفاضات الأرض والحجارة التي اجتاحت الأراضي المحتلة بقيادة منظمة التحرير والتنظيمات السرية لفصائلها، على مرأى ومسمع من العالم وتعاطفها مع تلك البطولات التي اجترحتها الجماهير بكل المكونات الاجتماعية والدينية والعقائدية، فإن تنظيمات التيار الإسلامي والمتعاطفين معه ظلت مصدر تشويشٍ يصبُ في صالح القوى المتربصة بشرعية القيادة الفلسطينية ودورها في المحافل الإسلامية والدولية.
ومثلما شقّت المجتمعات العربية، بتحويلها الى ثنائي "مؤمنين- كفرة"، زرعت التنظيمات السياسية، المتلفعة ببرقع الإسلام المكيّف بعيداً عن حقائقه، نبتة التقسيم في المجتمع الفلسطيني المتعدد الأديان والتكوينات والعقائد والطوائف، وباتت هاجساً يثير البلبلة والشكوك في الصف الوطني الفلسطيني. ولم يعد دورها يقتصر على الساحة الفلسطينية، بل امتد ليشمل سائر الدول العربية، سواءً من خلال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين او السلفيين والتنظيمات العصابية المتطرفة والمتشددة عقائدياً، أو من حيث وسائلها "الجهادية"المعزولة، والمُنفرة.
وقد اتضحت الأهداف الحقيقية لهذه التنظيمات، في مجرى تطورها التكويني والسياسي، وانكشاف تمويلها ومصادر قراراتها، بوصفها، أدوات "التمكين “لإقامة الإمارات الإسلامية، أينما امكن تحقيق ذلك، وتجريح كل ذاتٍ اجتماعية، بالاستدلال على مكامن ضعف عقيدتها، وتجريدها من مظاهر الإيمان والالتزام بـ "شريعة الله، وثوابت دينه"وهو ما يمكنها من توسيع قاعدتها، لتصدر المشهد السياسي، وإيجاد موطئ قدمٍ لها في المحافل العربية والاسلامية والدولية، كبديل قوي، مدعومٍ بالظهير الاسلامي في سائر الدول الاسلامية.
ومع انكشاف السريرة والباطن الملتبس للتيار الاسلامي الفلسطيني، بأجنحته الإخوانية والسلفية والقاعدية "الجهادية" ، تبينت ملامح انفصاله عن هدف تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية، والانحياز لمشروع الإمارة الإسلامية، حتى وان تحقق ذلك على حساب الأهداف الستراتيجية والوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، وعلى حساب قضم أجزاء من أراضيه، وتعطيل إرادته الحرة.
وقد تحقق لها ذلك، ولو مؤقتاً، بتجزئة الأراضي التي تديرها السلطة الفلسطينية، وإقامة "إمارتها الاخوانية"على قطاع غزة.
ان تتبع الفظائع التي ارتكبتها أجهزة حماس والمتشاركين معها، في انقلابها على السلطة الفلسطينية، دون ان ينجو منها قائد الثورة الفلسطينية، الشهيد ياسر عرفات، يكشف بوضوح، طبيعتها المخاتلة المتحللة من أي التزامٍ او واعزٍ ديني أو هدف وطني يستهدف تحرير المجتمع او استنهاضه، وإقامة صرح المساواة والعدل الاجتماعي لمواطنيه. وهي خلافاً لما يتطلع له الشعب من نزوع نحو الوحدة والتسامح والتطور الحضاري الإنساني، لا يحصد سوى مزيد من العنت وتمزيق وحدة نسيج المجتمع، والعودة به الى مجاهل ومظالم عصور الجاهلية والتخلف والظلام.
وقبل ان تصبح إمارة غزة، الوليد الشرعي للإسلام السياسي الاخواني، تطاولت على الشعب المصري، وحولت بواباتها الى منافذ لعبور وتمكين فلول المتطرفين الجهاديين، الذين يقودون عمليات القتل والتخريب في أنحاء مصر، انتقاماً من مصر على مبادرتها التاريخية بإفشال مشروع الإخوان - السلفي، لإسقاط الدولة المصرية، والانطلاق منها في مختلف الاتجاهات الرخوة في العالمين الإسلامي والعربي، لإقامة دولة الخلافة الإسلامية وإدخالهما في ظلمات الجاهلية والتكفير..
يتبع...
جميع التعليقات 1
داخل السومري
عجب وكل العجب ان يكون شعب كشعب فلسطين وقضيه كقضية فلسطين التي ليس لها مثيل في العالم لا في الماضي ولا في الحاضر ان يكون هذا الشعب ومن يقوده طائفيا حتى النخاع،ان يسير وراء الطغاة العرب وليس مع شعوبهم.لا ننسى موقف عموم الفلسطينين من اكبر دكتاتور عرفه التأر